1-بنحمزة ومشروع “مراجعة مدونة الأسرة”
تفاعل الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، مع الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2022 إحياء لذكرى عيد العرش، بسلسلة حلقات.
ورأى الدكتور بنحمزة أن يخصص هذه الحلقات لمناقشة مشروع “إصلاح ومراجعة مدونة الأسرة”، من خلال عدد من المحاور: تعديل مدونة الأسرة، وقضايا المساواة فيها، والموقف الشرعي من هذا المشروع.
1- إني لست أحل حراما
قال الدكتور مصطفى بنحمزة، في الحلقة الأولى من سلسلته، إن “في هذا الخطاب، مفاصل ومقاطع متعددة، لكن المقطع القوي الذي لم يحظ بما كان يجب أن يحظى به من عناية ومن تحليل هو تنصيص جلالة الملك صراحة وقوله: إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”.
وعلق صاحب كرسي “أصول الفقه”: “هذا طبعا تنصيص مفيد جدا ويأتي في لحظته، في لحظة يُحدِّث فيها بعض الناس أنفسهم بأنه بالإمكان أن يُذهب في المغرب إلى تغيير أحكام شرعية قارة يعرف العالم الإسلامي كله وثوقيتها وأنها تستند إلى نصوص شرعية قطعية”.
وأوضح أنه “في هذا القول، “إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”، يستند جلالة الملك إلى حديث نبوي متفق عليه أخرجه البخاري في باب “فرض الخمس”، وأخرجه مسلم كذلك في باب “فضائل فاطمة”، فهو إذن من أقوى الصحيح حينما يكون الحديث متفقا عليه واتفق عليه البخاري ومسلم خصوصا، فهو من قبيل الصحيح الذي لا غبار عليه”.
وأضاف رئيس المجلس العلمي بوجدة: و”صلب الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لست أحل حراما”. هذه الجملة جملة معبرة ينتظم فيما النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من العلماء والحكام وكل المسلمين، ليس لواحد منهم أن يحل شيئا حرمه الله أو أن يحرم شيئا أحله الله، ذلك بأن الدين في أصله هو وضع إلهي وليس وضعا بشريا، وهكذا يعرف الدين، الدين وضع إلهي قائد لذوي العقول باختيارهم إلى خير الدنيا والآخرة”.
2-متى يكون الاجتهاد جائزا؟
قال الدكتور مصطفى بنحمزة، في ذات الحلقة، إن “المسلمين كلهم منهيون عن أن يقولوا في الدين بآرائهم إذا لم يكونوا يستندون إلى هذا الأصل الذي هو قول الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب}. فسمى هذا القول افتراء وكذبا، وقال “إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون”. هذه كلها تفيد أن هذا المجال هو مجال خاص بالإله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يتحدث فإنما يتحدث عن وحي، ولذلك قال الله تعالى عنه: “وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى”.
وزاد: “المسلمون يعرفون معنى الاجتهاد، وليس معنى الاجتهاد أمرا يلجأ إليه عوضا عن الأخذ بالكتاب والسنة. أبدا، لأنه لا اجتهاد في معرض النص. إذا كان النص جليا فإنما نحن نجتهد في فهمه، أما أن يترك النص فذلك دين جديد، ذلك استحداث لدين جديد”.
وأبرز أن “بعض الناس لا يفهم معنى الاجتهاد ويلوح به في كل مناسبة ويرى أنه شيء ممكن في كل اللحظات، وهو ليس كذلك. الاجتهاد إنما يتم في المواضع التي هي صالحة للاجتهاد. في النصوص الشرعية، هناك نص محكم، وهناك نص مفسر، وهناك نص هو نص ونص ظاهر. هذه هي التراتبية، فما كان من قبيل الظاهر، أي يحتمل التأويل، يقع فيه الاجتهاد. وما كان من قبيل النص، فهو يحتمل الاجتهاد ولكن بمرجوحية. لكن ما كان مفسرا، فإن “خير ما فسرت به الوارد”، فإذا كان صاحب الكلام فسر كلامه فلا مدخل للغير في أن ينوب عن صاحب الكلام ويفسر له كلامه، وكذلك في النص المحكم”.
3-الاجتهاد في “مراجعة مدونة الأسرة”
وأردف الدكتور بنحمزة قائلا: “النصوص التي ليست مجالا للاجتهاد، في أصول الفقه، من أهمها وأجلاها النصوص التي فيها أعداد. “المطقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”، “أربعة أشهر وعشرا”، وهكذا. لا أحد اجتهد في الثلاثة قروء، وخفض منها أو زاد فيها، هذا يلتزم به”.
وأكد: “أحكام الإرث من هذا القبيل، هي محكومة بأعداد معروفة: بالثلث، بالثلثين، بالسدس، بالربع، بالثمن، بالنصف؛ و”الأنصباء ستة في العرف”، معروفة وكلها لها مصادر في الكتاب والسنة؛ بمعنى أن الذي يريد أن يجتهد يجب أن يكون هو في ذاته مؤهلا للاجتهاد”.
إلى أن قال: “وأنا أقول هنا، إن فتح باب الاجتهاد لمن ليس مؤهلا له لن يكون مفيدا في هذا الباب، وسيكون مضرا في أشياء أخرى، لأن الذين اجتهدوا اجتهادات كثيرة ربما استحلوا دماء الناس، ربما استحلوا أعراض الناس، ربما ظلموا الناس، ربما أفتى بعضهم بجواز الإفطار في رمضان لداع من الدواعي… الخ”.
وبخصوص مشروع “مراجعة المدونة”، قال بنحمزة: “ما ذكره أمير المؤمنين هو شيء محكم وجميل، يضع الأمور في نصابها. أي أن هذا الإصلاح لا يمكن أن ينتقل من نقد وإصلاح المدونة إلى إصلاح القرآن”.
وشدد على أنه “لا يمكن أن يكون ذلك (أي الانتقال من إصلاح المدونة إلى إصلاح القرآن) سليما. ولو كان هذا ممكنا لما حظي بشيء، خصوصا وأن المغرب يعتبر في الصدارة من حملة المذهب المالكي، وإفريقيا التي هي الآن موالية له وتابعة له يجب أن تبقى لها الثقة في أن المذهب المالكي والشريعة الإسلامية محفوظة محروسة بعيدة من هذا العبث الذي يريد البعض أن يدخل فيه الأحكام الشرعية”.
4- الحديث عن المساواة ليس جديدا
كما أشار رئيس المجلس العلمي بوجدة إلى أن “أول مبدأ للمساواة هو أن يكون المواطنون متساوين في مناقشة مبدإ المساواة نفسه، وأن يعطوا آراءهم وتصوراتهم في حقيقة هذه المساواة”.
وزاد الدكتور بنحمزة، في حلقته الثانية حول مشروع “إصلاح ومراجعة مدونة الأسرة”، أن “المساواة ليس لها تصور واحد ولا نمط واحد، بل لها تصورات وأنماط متعددة، بحسب الحضارات والثقافات والموضوعات التي تطبق فيها”.
واعتبر الدكتور بنحمزة أن الحديث عن المساواة ليس جديدا، ولم يكن هناك اتفاق بخصوص تعريفها.
وأكد صاحب كرسي الإمام القرافي لأن “الحديث عن المساواة لم يخل منه زمن من الأزمنة”، كما سجل أنه “قد يتفق على مبدأ المساواة ولكن المضامين تختلف”، مستشهدا بأمثلة أفلاطون وأرسطو وروسو وفولتير.
وبخصوص المساواة في الإسلام، قال رئيس المجلس العلمي بوجدة إن “المساواة ليست شعارا في الشريعة الإسلامية، وإنما هي حقيقة ماثلة وموضوعية ولها تجليات”.
وأكد أن “الأحكام الخاصة بالنساء في الشريعة ليست تمييزية، وإنما موضوعية تراعي ظروف النساء”، منبها إلى أن “مبدأ المساواة يناقش في كتب المقاصد، وعلى الذي يناقش هذا أن يكون مطلعا على كتب مقاصد الشريعة الإسلامية”.
وأردف الفقيه الأصولي قائلا: “نحن نتحدث عن مساوة يجب أن تتحقق في مدونة الأسرة، ولكن أي جانب في المدونة؟ المدونة 400 مادة، وما يتحدثون عنه من إرث المرأة هذا مادة واحدة، باقي المواد أين هي؟”.
وأضاف، بخصوص المساواة في مدونة الأسرة، أن “المساواة التي تحققت في مدونة الأسرة هي مساواة تكافلية، تعطى فيها أمور للنساء لا تعطى للرجال”، وهو ما يجب أن يناقش أيضا وأن تكون النساء مستعدات له كما الرجال على حد سواء.