(قل متاع الدنيا قليل)
جاء وَصْف (الدنيا) في القرآن الكريم بأنها {متاع} قال سبحانه: {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} (الرعد:26) ووَصفَ القرآن {المتاع} بأنه {متاع الغرور} (آل عمران:185) أي: تغر المؤمن وتخدعه فيظن طول البقاء وهي فانية. ووصف في موضوع آخر بأنه {قليل}، قال سبحانه: {قل متاع الدنيا قليل} (النساء:77).
و(المتاع) كلُّ ما يتمتع به الإنسان وينتفع به، كالمركب والمسكن والمأكل والمشرب…ثم يزول ولا يبقى ملكه، كذا قال أكثر المفسرين. وقال الحسن البصري: كخضرة النبات، ولعب البنات لا حاصل له.
وقال قتادة: هي متاع متروك توشك أن تضمحل بأهلها، فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله سبحانه ما استطاع.
ومن الآيات التي تزهد في الدنيا غير ما تقدم قوله عز وجل: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} (الحديد:20). وقوله سبحانه: {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا} (77) وبيَّن القرآن الكريم أن الناس يؤثرون الحياة الدنيا، مع علمهم بأنها دار فانية لا قرار فيها ولا استقرار، ولا أمان فيها ولا اطمئنان، قال عز وجل: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى} (الأعلى: 16-17).
ولا يعني الزهد في الدنيا أن يدع العبد حظَّه منها ويزهد فيها كلَّ الزهد، فهذا ليس من شرعة الإسلام ولا من سننه في شيء، بل على العبد أن يأخذ حظه من الدنيا من غير أن ينسى الآخرة، والقول الفصل في هذا قوله عز وجل: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (القصص:77).
وقد بيَّن الصحابي الجليل ابن عمر رضي الله عنهما هذا المعنى بقوله: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) فعلى العبد أن يأخذ من دنياه وَفْق ما شرعه الله ويجتهد فيها بعمل كل ما يقربه من ربه سبحانه ويبلغه آخرته بسلام.