الكنبوري*: هؤلاء انتقدوا البخاري دفاعا على الإسلام أما أولائك ففعلوه هجوما على الإسلام وخدمة لأعدائه حاوره: عبد الصمد إيشن

 1ــ يحاول من يتهجم على صحيح البخاري أن يكون علميا في تعاطيه مع الموضوع، هل يتصرف هؤلاء بالعلمية فعلا أم بدوافع أيدولوجية محضة؟

استهداف صحيح البخاري رضي الله عنه ليست له أدنى علاقة بالمنهج العلمي؛ فما يحصل اليوم هو هجوم له طابع ديني وسياسي؛ ديني بحيث إنه يسعى إلى ضرب أحد أصول الإسلام وهو الحديث النبوي؛ لأنه الأصل الثاني في التشريع؛ وسياسي بحيث إنه يريد فصل الأمة عن دينها وربطها بالغرب تحت دعاوى التنوير والحداثة اللتين أصبحتا هما المصطلحات الجديدة التي حلت محل الاستعمار والمهمة الحضارية للغرب في الشرق.

وهذا الأمر يمكن فهمه بسهولة من خلال النظر إلى الفئات التي تهاجم الصحيح والأحاديث عموما؛ فهم شرذمة من اليساريين القدامى الفاشلين والمتعلمنة والمتنصرين وبقايا الماركسيين السابقين الذين حولوا اتجاه البوصلة إلى الإسلام وأصبحوا متحالفين مع الإمبريالية بعد أن كانوا يدعون أنهم يحاربونها؛ وهؤلاء لا علاقة لهم لا علميا ولا تدينا بالإسلام.

صحيح البخاري وغيره تعرض بالفعل للنقد العلمي منذ القديم؛ ولكن الذين تصدوا لذلك فعلوه بالخضوع للمنهج العلمي الذي وضعه المسلمون أنفسهم؛ وفي تقدير وإجلال للإمام البخاري رضي الله عنه؛ ليس نقدا له بل لبعض الأحاديث المشكوك في نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ويدركون بأن الإمام البخاري رضي الله عنه خدم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وخدم الأمة لكنه ليس منزها عن الوقوع في الزلل الذي يقع فيه كل إنسان؛ وزلل البخاري عند العلماء لا ينقص من فضله ولا من أجره شيئا؛ بل يزيده فضلا لأنه اجتهد وقام بعمل لا تنهض به جماعة كبيرة العدد؛ فهولاء نقدوا البخاري دفاعا على الإسلام؛ أما من يهاجم البخاري اليوم فهو يفعل ذلك هجوما على الإسلام وخدمة لأعدائه.

 

2ــ ارتبط المغاربة تاريخيا بصحيح البخاري، ما هي طريقة الدفاع الصحيحة من طرف العلماء والفعاليات الأخرى للرد على هذه الحملة؟

نعم، لقد ارتبط المغرب تاريخيا بصحيح البخاري ارتباطا قويا؛ وهذا طبيعي جدا؛ لأن البخاري أصح كتب الحديث وبالتالي فهو السجل شبه الكامل لحياة النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه الزكي؛ والصورة الأرضية التي تقابل الوحي السماوي؛ لذلك ارتبط به المغاربة لأنه وسيلة ربطهم بنبيهم. ولا أدل على هذا من جيش عبيد البخاري الذي أنشأه السلطان المولى إسماعيل؛ فقد سمي كذلك لأن السلطان وأفراد هذا الجيش اقسموا على صحيح البخاري على الوفاء والثقة والصدق؛ والنسخة التي اقسموا عليها كان السلطان يحافظ عليها تبركا؛ بل إن المؤرخ أحمد الناصري صاحب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى يشبه تلك النسخة بثابوت موسى عليه السلام الذي كانت به النسخة الصحيحة للتوراة كرمز للعهد بين الله سبحانه وبني إسرائيل.

الهجوم على صحيح البخاري ليس زوبعة عابرة؛ بل خطة مبيتة لضرب الصرح الديني للمغرب؛ والسكوت في هذه المرحلة جناية؛ ولا أعرف متى يمكن للعالم والمفكر أن يتكلم إذا لم يتكلم اليوم..

وفي عهد الاستعمار كان صحيح البخاري يقرأ جماعة في القرويين والزوايا والمساجد كحصن؛ أي أنه كان له دور سياسي في جميع المراحل في تحقيق الوحدة الدينية والوطنية للمغاربة. وأعتقد اليوم أن مهمة العلماء والمفكرين أن يربطوا الحلقات مع بعضها ويتذكروا هذا الإرث ويواصلوه؛ ولا يعتقدوا بأن الهجوم على صحيح البخاري مجرد زوبعة عابرة؛ بل هي خطة مبيتة لضرب الصرح الديني للمغرب؛ والسكوت في هذه المرحلة جناية؛ ولا أعرف متى يمكن للعالم والمفكر أن يتكلم إذا لم يتكلم اليوم؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

3ــ التهجم على صحيح البخاري لم يكن فقط من طرف بعض الكتاب في المغرب بل ببعض البلدان العربية الأخرى، ألا يمكن أن نقول أن الحملة منظمة؟

الهجوم على صحيح البخاري رضي الله عنه لم ينشأ في المغرب؛ الذين يهاجمون الصحيح في المغرب هم من الصف العاشر الذي لا قيمة له؛ وهم فرقة صغيرة بين باقي الفرق في العالم العربي والإسلامي التي وزعت عليها الأدوار. الهجوم على صحيح البخاري ولد داخل الدوائر الغربية الاستخباراتية والاستشراقية؛ ثم جرى تنزيله تدريجيا في العالم العربي والإسلامي؛ وبدأ من مصر ثم امتد إلى العالم العربي والإسلامي.

فما يقال ويكتب عن الصحيح وعن الأحاديث النبوية عموما ليس فيه جديد للمطلعين على مؤلفات المستشرقين؛ الجديد اليوم هو أن هذا الكلام أصبح يقال على ألسنة عربية داخل المجتمعات العربية؛ ويقال على الملأ في مواقع التواصل الاجتماعي والندوات.

ــــــــــــــــــــــــ

*د.إدريس الكنبوري: مفكر وكاتب مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *