لقد أكثر الله تعالى في القرآن الكريم، وكذلك النبي المصطفى الكريم من ذكر هذا اليوم ليكون منا على بال، وحتى لا يغيب عنا؛ لأنه إذا غاب عن أذهاننا ركنا إلى هذه الحياة الدنيا فساء العمل، لأجل هذا حذرنا الله من نسيانه والذهول عنه، قال جل في علاه: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كيف أنْعَمُ وصاحبُ القرنِ قد التقمَ القرنَ واستمعَ الإذْنَ متى يُؤمرُ بالنفخِ فينفخُ، فكأنّ ذلك ثقلَ على أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهُم: قُولوا حسبنا اللهُ ونعمَ الوكيلُ، على اللهِ توكّلْنا).
والقرن: هو البوق العظيم، وهو الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، نفختين أو ثلاثة.. فنفخة الفزع في سورة النمل، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، كما في سورة الزمر، وإذا كانت نفخة الفزع هي نفخة الصعق فهما نفختان.. قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)[الزمر:68].
فإذا نفخ فيه نفخة الصعق والفزع مات كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله، ثم يلبث ما شاء الله له أن يلبث ثم ينفخ فيه نفخة البعث فإذا هم قيام ينظرون، وإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون، كلهم يتوجه إلى أرض المحشر كأنهم إلى نصب يوفضون، ليقفوا في هذا اليوم العظيم، فيلاقوا يوما عبوسا قمطريرا، ويوما كان شره مستطيرا، فيه من الأهوال والهم والغم والعظائم ما لا يتحمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تُحْشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ؟ فقالَ: الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهُمْ ذاكِ)[رواه البخاري]. وكما قال تعالى: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عبس:37].
وقد روي أن الشمس تدنوا من الرؤوس بمقدار ميل فتغلي أدمغة الناس وتحترق أبدانهم ويغرقون في عرقهم، كما في صحيح مسلم من حديث المقداد بن الأسود: (تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ – قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؛ أمَسافَةَ الأرْضِ، أمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ؟ قالَ: فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ).
يقف الناس يوما مقداره خمسين ألف سنة، قال بعض أهل العلم: يبقون ثلثمائة سنة من أيام الدنيا لا يكلمهم أحد، ولا يأتيهم خبر، ولا يأتمرون فيه بأمر، فيقفون حتى يصيبهم من الغم مالا يتحمل، فيتمنون لو ينصرفون ولو إلى النار، فيذهبون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله ليبدأ الحساب، كما في حديث الشفاعة المشهور.