خطر سب أصحاب نبينا محمد ﷺ

 

نهى النبي صلى الله عليه وسلم نهيا شديدا عنْ سَبِّ أي أحَدٍ مِنَ الصحابة رضوان الله عليهم، وأخبر أنه لو أنفق أَحَدُ الناس مثل جبل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد الصحابة بملأ كفيه طعامًا ولا نصف ذلك.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَسُبُّوا أصْحابِي، لا تَسُبُّوا أصْحابِي، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لو أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهبًا، ما أدْرَك مُدَّ أحَدِهِم (ما يَمْلأُ الكفَّينِ)، ولا نَصِيفَه (نصف المُد)) رواه مسلم.

قال القاضي عياض في “إِكمَال المُعْلِمِ بفَوَائِد مسْلم”: “يُقال: نِصْف، ونُصْف، ونَصَف، ونصيف، ومعناه: نصيفه، أي: نِصْف مدة المذكور في الصدقة، أي: أجرهم هم مضاعف لمكانهم مِنَ الصُحْبَة، حتى لا يوازى إنفاق مثل أُحُدٍ ذهباً صدقة اْحدهم بنصف مُدّ، وما بين هذا التقدير لا يحصى.

وقال ابن قدامة في “لمعة الاعتقاد”: “ومِنَ السُنَّة تولي (موالاة) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذِكْر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم. واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (الحشر:10)، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح:29)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحُدٍ ذهبا، ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه)”.

وقال الطيبي في “الكاشف عن حقائق السنن”: “اعلم أنَّ سَبَّ الصحابيّ حرام وهو مِنْ أكبر الفواحش”.

وقال البيضاوي في “تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”: “(النصيف): النصف، أي: نصف مد، وقيل: هو مكيال دون المد، والمعنى: إنه لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضيلة والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصفه، لما يقارنه من مزيد الإخلاص، وصدق النية، وكمال النفس”.

وقال ابن حجر في “فتح الباري”: “فنَهْي بعض مَنْ أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب مَنْ سبقه، يقتضي زجْر مَنْ لم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه مِنْ باب الأوْلى”. وقال النووي في “شرح صحيح مسلم”: “واعلم أن سَبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام مِن فواحش المحرمات سواء مَنْ لابَس الفتن منهم وغيره، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون”.

لقد كثرت الأحاديث النبوية وأقوال علماء أهل السُنة في فضل الصحابة، وفي الوعيد الشديد فيمن يؤذي أو يسب أو ينتقص أحداً منهم ـ رضوان الله عليهم ـ.

ومِن ثم فإنه مما ينبغي الحذر منه كل الحذر، الوقوع في سَبِّ الصحابة، أو الانتقاص منهم، أو ذمِّهِم والقدْح فيهم، وذلك لأن القدْح في الصحابة قدْح في الإسلام نفسه، لأن الإسلام لم يصل إلى مَنْ بعدهم وإلينا إلا بواسطتهم.

قال أبو زُرْعة: “وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسُنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يَجْرَحوا شهودنا ليُبْطِلوا الكتاب والسُنة، والجرح بهم أوْلى وهم زنادقة”.

وقال القرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم”: “مِن المعلوم الذي لا يُشك فيه: أن الله تعالى اختار أصحاب نبيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولإقامة دينه، فجميع ما نحن فيه مِنَ العلوم والأعمال، والفضائل والأحوال، والمتملكات والأموال، والعز والسلطان، والدين والإيمان، وغير ذلك مِنَ النعم التي لا يحصيها لسان، ولا يتسع لتقديرها زمان إنما كان بسببهم.

ولمَّا كان ذلك، وجب علينا الاعتراف بحقوقهم والشكر لهم على عظيم أياديهم، قياماً بما أوجبه الله تعالى مِنْ شُكر المُنْعِم، واجتناباً لما حرمه مِنْ كفران حقه، هذا مع ما تحققناه مِنْ ثناء الله تعالى عليهم، وتشريفه لهم، ورضاه عنهم..

وعلى هذا فمَنْ تعرض لِسَبِّهم، وجَحْد عظيم حقهم، فقد ضل ضلالا مبينا وخالف سبيل المومنين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *