الربا عند العرب قديما:
أما عن الربا في المجتمع العربي قبل الإسلام؛ فقد كانت التجارة مزدهرة في مكة والطائف، وكان التعامل بالربا أمر شائعا حيث بلغت الفائدة أكثر من 40%، وقد تمكن المرابون من السيطرة والهيمنة على الحياة الاقتصادية في المجتمع الجاهلي وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدَّين قال من هو له لمن هو عليه: أتقضي أم تُربِي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه، وأخّر له الأجل إلى حين. ورغم ذلك فإنهم كان يشمئزون من عملية الربا وينظرون إليه نظرة ازدراء ويعدونه من الطرق غير السليمة في الكسب.
ومما نذكر هنا أنهم لما أرادوا إعادة بناء الكعبة، حرصت قريش أن تجمع الاموال اللازمة لذلك من البيوت التي لا تتعامل بالربا، لأنهم يعتبرونه سحتا من الناحية الأخلاقية، حيث كان يسود نوعان من الربا في ذلك الوقت: ربا القرض؛ حيث إنه كان ينتج عن عملية الإقراض لمدة معينة وعند عدم تمكن المدين من سداد القرض في تاريخ محدد يطلب المدين أن يزيده الدائن مقابل امهاله مدة إضافية فيتم إضافة زيادة معينة تصل أحيانا إلى ضعف الثمن الأصلي للدين.
أما النوع الثاني، هو الربا الذي ينتج عن عملية بيع السلعة التي يتم تسديد ثمنه لاحقا، فعند عدم تمكن المشتري من تسديد الثمن خلال الأجل المضروب، فيضافُ مبلغ معين على الثمن الأصلي؛ وهذا هو ربا الجاهلية. أما في الإسلام، فمعلوم أن الربا محرم بالكتاب والسنة والاجماع، فهو من الكبائر، ولا خلاف في ذلك. وسنتطرق لذلك في حلقة مقبلة بالتفصيل.
الربا في أوروبا
كانت أوربا التي تدين بالنصرانية تحرم الربا وتنهى عن التعامل به، أما اليهود ـ والذين كانوا يمتنعون من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا ممنوعين من التعامل به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه.
وبعد انتقال اليهود إلى أوروبا عقب سقوط بغداد والخلافة الإسلامية، وتحول مركز الثقل إلى أوروبا، كانت هذه الأخيرة تشكو حاجتها إلى النقد المعدني، ولم يكن هناك ما يكفي من الذهب والفضة لضمان إجراء العقود والمعاملات. وفى هذه الوضعية قرب العام 1000 م وجد اليهود الذين قدر عددهم في أوروبا بنحو 150000 فقط أنفسهم في وضعية مستثناة، بحيث أصبحوا الوحيدين الذين لهم حق منح قروض، بينما كانت الحاجة إلى المال قوية، وكانت هذه المهمة هي الوحيدة المسموح لهم به: ” لقد كانوا نافعين والمسيحيون اعترفوا لهم بذلك”، وخلال القرون الثلاثة التالية لعب اليهود أدوارا سياسية من بوابة المال، فقد عايشوا في أوروبا مرحلة إنشاء الدول القومية، فأخذ الملوك أيضا يقصدونهم “وكان اليهود مستعدين للدفع من أجل أي شيء، حتى من أجل المعارك والحروب الصليبية”.
ونظرا لتعاملهم بالربا؛ فإن اليهود تمكنوا في وقت قصير من مراكمة ثروات طائلة، فكانوا يقرضون المال لمدة عام أو أقل مقابل فوائد كبيرة، مما ضاعف أموالهم بنسبة 50 إلى 80 %، فتراكم المال عند اليهود بسرعة (كتاب اليهود العالم والمال، الدكتور جاك آتالي).
وفي أواخر القرن السادس عشر ميلادي، بدأت أوروبا بالتمرد على هذا الحكم الإلهي: وهو تحريم الربا، حيث كانت هناك بعض المحاولات والخروقات فردية؛ إلا أن الربا لم ينتشر ولم يقر كقانون معترف به إلا بعد الثورة الفرنسية، فكانت ثورة على الدين والحكم الإقطاعي والملكي..
ومن جملة تلكم الأحكام الدينية في أوربا كما علمنا: تحريم الربا، فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخرى، وكان لا بد أن يحصل ذلك، إذ إن اليهود كانت لهم اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلال نتائجها لتحقيق طموحاتهم، من ذلك إنشاء مصارف ربوية، لتحقيق أحلامهم بالاستحواذ على أموال العالم. ثم استغل هذا الظرف أثناء الثورة، وأحل الربا وأقر:
فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1789م أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون.
ثم صدرت فرنسا هذا التمرد على الدين وعزله عن الحياة إلى سائر الأقطار الأوروبية، ومن ذلك التمرد على تحريم الربا، وقد كان اليهود في ذلك الحين من أصحاب المال، وذلك إبَّان الثورة الصناعية، واحتياج أصحاب الصناعات إلى المال لتمويل مشاريعهم، فأحجم أصحاب المال من غير اليهود عن تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة.
وفي المجال المالي، ظهرت إمبراطوريات مالية يهودية في أوروبا وامتد نشاطها إلى أمريكا. ومن أبرز تلك الإمبراطوريات المالية عائلة (روتشيلد) اليهودية وغيرها التي قامت بتمويلِ الحركات الثورية والمنظمات الصهيونية التي تخدم مصالح اليهود. فاستطاع اليهود أن يتغلغلوا في الأوساط الدينية والاجتماعية والمالية والعلمية والسياسية في البلاد الغربية ذات النفوذ العالمي مثلِ: بريطانيا وروسيا وفرنسا ثم أمريكا وغيرها.
أما في المجال العلمي، فقد سيطر اليهود عن طريق المال بشرائهم وإنشائهم للمؤسسات العلمية المقروءة والمسموعة والمرئية، مما مكنهم من التحكم في الحكومات والشعوب وتوجيههم حسب خططهم وأهدافهم ومصالحهم.
أمثلة:
بادر اليهود الإقراض بالربا في أوروبا، حيث الربح المضمون ولو كان على حساب إفلاس المقترض. وقد كانت أوربا في ذلك الحين مستحوذة على بلدان العالم بقوة السلاح، فارضة عليها إرادتها، فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها صارت إليهم السيطرة والتحكم في العالم أجمع، ومن ثم فرضوا التعامل بالربا على جميع البلاد التي تقع تحت سيطرة الغرب، فانتشر الربا وشاع في كل المبادلات التجارية والبنوك، فاليهود كانوا ولا زالوا إلى اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه.
فاليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم، وكل المتعاملين بالربا هم من خدمة اليهود والعاملين على زيادة أرصدة اليهود ليسخروها في ضرب الإسلام والمسلمين وكافة الشعوب. فانتشر بهذا الربا ومعه كافة الأمراض الاقتصادية والسياسية والأخلاقية الاجتماعية.
الربا عند المسلمين
إذا نظرنا في واقع المسلمين ومنذ البعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، فإننا نلحظ بشكل جلي انعدام التعامل الربوي بأي صورة من صوره في المجتمع الإسلامي عبر العصور المختلفة، بما فيها أزمنة الخلافة الإسلامية التي بلغت القسطنطينية وبعض الحدود الأوروبية. ومع هذا الانتشار الواسع للحضارة الإسلامية لم يكن للربا وللمعاملات الربوية أي حظ في تجاراتهم ونشاطهم الاقتصادي، بل كان البعد عنه مصدر قوتهم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بشهادة الجميع. وهذا الواقع ينسف بشدة المقولة الرائجة التي تعتبر قوة كل اقتصاد مرتبطة بالربا، وهو تنظير باطل يهدم أسسه واقع النظام المالي الإسلامي بشتى أشكاله وصوره.
خاتمة:
من خلال ما تقدم عرضه؛ فإننا نلحظ بشكل لا يدع مجالا للريب، أن التعامل بالربا كان مذموما ومستقبحا في مختلف الحضارات السابقة وعبر العصور، حيث كان عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء ورجال السياسة ينتقدون كل المعاملات الربوية ويذمونها أشد الذم.
كما أن هذا النوع من المعاملات كان دائما ما يشكل حجرة عثرة في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، مما يدفع الجهات الحكومية دومًا إلى التدخل لإنقاذ ما تخلفه الربا من آثار مدمرة للاقتصاد واضطرابات في المجتمعات.
وقد شهد هذا القرن الميلادي، ومنذ سنة 1929 إلى يومنا هذا نحوا من مائة أزمة مالية بسبب المعاملات الربوية.