أجمع المشاركون في ندوة “أسس البناء الأسري وعوامل الصيانة والاستقرار” بالرباط، على أن الأسرة في المغرب، بلد الإسلام والعلماء، تشكل عامل الاستقرار في المجتمع على مر عدة قرون. وأن النقاش حول مراجعة مدونة الأسرة لا يمكن أن يخرج عن الحدود الشرعية التي أكد عليها الملك في عدد من خطبه.
وفي هذا الصدد، قال الوزير المنتدب السابق، خالد الصمدي، ضمن مداخلته في الندوة أن “تعديل مدونة الأسرة في غياب إعادة إحياء منظومة القيم في المجتمع المغربي سيكون ضربا من العبث. ولذلك جلالة الملك حفظه الله إذا تتبعتم خطبه فقد تحدث أكثر من خمس مرات على ضرورة رفع التحديات القيمية والوعي بها بل وسماها الاهتزازات التي تمس منظومة القيم. لأنه إذا اختلت هذه المنظومة مهما كانت جودة النص القانوني فإننا سنجد في المجتمع عددا من الانحرافات والانزلاقات”.
ويضيف الصمدي “صدق العلماء حينما قالوا: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور. والفجور هنا هو الانزياح عن منظومة القيم. فتكثر القضايا ويحاول المشرع عوض أن يعالج الإشكال في أصله أي المجتمع يعالجها بنصوص قانونية”.
وزاد الصمدي “النقاش مهما كان مفتوحا في هذه الأمور المصيرية مهما كان فيه الاختلاف يظل مهما، لكن يجب أن يكون تحت حاجز عدم اختراق الثوابت. ولا يجب أن يستغل أي أحد جو النقاش والتشاور لتجاوز الحدود، ومناقشة مراجعة مدونة الأسرة خارج المرجعية الإسلامية، لأن الملك قال: “لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”. ومن يناقش خارج هذه الثوابت هو خارج السياق خاصة ما وردت فيه أحكام قرآنية قطعية.
وهنا لابد أن أوجه الباحثين والمختصين للنقاش بأمانة علمية لمواجهة الغوغاء الذين يتجرون على الثوابت الدينية والوطنية”.
أما الدكتور جمال معتوق فقد أشار إلى أن له “تحفظاً على مسألة الالتزامات الدولية للمغرب في عدد من الاتفاقيات التي تهم وضعية المرأة والمساواة بين الجنسين. بحيث قدم المغرب عددا من التحفظات في عدد من الاتفاقيات لأنها مخالفة للمرجعية الإسلامية. وفي موضوع المساواة بين الرجل والمرأة كانت هناك ضغوطات كبيرة على المغرب ولكن هويتنا كانت ومازالت خطا أحمر”.
والمجتمع المغربي اليوم أصبح مخترقا بعدد من الأفكار والتيارات الخارجية التي تدخل للمغرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتؤثر في المجتمع بشكل كبير لأن العولمة مسحت الحدود بين جميع الدول.
لكن الذي يحز في نفسي خلال هذا النقاش العمومي المفتوح حول مراجعة مدونة الأسرة غياب العلماء عن الساحة، لأنه بطبيعة الحال وحدهم من يجب أن يملكوا الجرأة والشجاعة لحسم عدد من القضايا ويمدوا الناس بآرائهم”. يؤكد د.معتوق.
وأكد أستاذ القانون أنه “للأسف الحاجة التي كانت من أجلها ضرورة مراجعة مدونة الأسرة وهي تفكك الأسر بفعل تزايد حالات الطلاق، لم تعد موضوع نقاشاتنا بل تحول النقاش إلى الجهة التي يجب توكل بالقوامة: المرأة أم الرجل، خاصة بعد تأثر عدد من الأسر بالأفكار الغربية الشاذة حول مفهوم المساواة، في حين الأسر المغربية كانت بفعل الفهم السليم للقوامة تعيش الاستقرار والنماء باستمرار، دون أي مشكل لأن الرجل والمرأة تربطهما علاقة مودة وتعاون”.
وأضاف معتوق “ويقدم النقاش من طرف الحداثيين بشكل مختزل، مثلا نسبة التعدد لا تتجاوز 1 بالمئة في المغرب وهم يسوقون صورة غير حقيقية عن المغاربة لتجريم التعدد. أيضا مسألة تزويج القاصرات التي يتم تصويرها على أنها عدوانية في حق الفتاة وأن المغاربة يتزوجون طفلة عمرها 13 سنة، وهذا كذب وتشويه. كذلك التعصيب الذي يقدم كأنه ظلم للوارثين في حين أن حالات التعصيب بالمغرب قليلة ومحدودة جدا. للأسف لم نفهم أن الهاجس في مراجعة مدونة الأسرة يجب أن يكون هو الحفاظ على استقرار الأسرة المغربية”.
في حين ركز الدكتور محمد خروبات على أن “الهدف من وراء نقاش الحداثيين حول مراجعة مدونة الأسرة هو إبعاد الإسلام عن المجتمع وإبعاد مرجعية العلماء عن المجتمع. ما نلاحظه اليوم كذلك محاولات عزل الأسرة عن أحكام الشرعية الإسلامية وهو طرح علماني، يفصل الدين عن الدولة. في حين المغرب دستوريا وتاريخيا دولة إسلامية ولنا أمير المؤمنين. والغرب يركز على الدولة ولا تهمه الأسرة، في حين المغرب أو أي بلد إسلامي المجتمع في الأصل أي الأسرة هي المسؤولة عن مستقبل الدولة. والمغرب الأسرة العلوية هي صمام أمان المجتمع والدولة”.
وأضاف خروبات “المغاربة لن يسمحوا أبدا لهؤلاء أن يعبثوا بمرجعياتهم وثوابتهم. لأن غرض الحداثيين هو إخراج الأسرة المغربية من الإسلام ويرمونها للتيه. ولا يمكن أن للأسرة في المغرب أن تبتعد عن الإسلام وتعيش بدونه. مثلا في غزة الآن الاحتلال يضرب ويقتل ويشرد الأسر لأن عقدتهم في الغرب هي الأسرة. والأسرة هي أساس المقاومة في المغرب بل هي التي جاءت باستقلالنا عن المستعمر”.