احتلال العقول وحرب القيم أبو الفتح محمد

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال -وهو الصادق المصدوق-: “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” (متفق عليه)، هذا الحديث غفل عن دلالته المسلمون، وعمل بمقتضاه أعداء الإسلام في كيدهم وحربهم على الإسلام والمسلمين، فلذلك دخلوا علينا من باب النساء، لماَّ عرفوا أنه أوهن الأبواب، وأغاروا علينا من قِبَلِهن لما عجزوا عن مبارزة فُحُول الرجال، فحملوا علينا بخيلهم ورجلهم حملة رجل واحد، بكل ما أوتوا من قوة وتكنولوجيا، ووظفوا لذلك أحدث وسائل الإعلام والاتصال، التي مكنتهم من غزونا في بيوتنا، ومن تحويلها إلى بيوت يمارس فيها الفساد والدعارة عبر الأثير، فأوقدوا نار الفتنة في مجتمعاتنا المسلمة، التي كانت عن قريب مجتمعات محافظة، فاستحالت في وقت قياسي إلى مجتمعات متفسخة، متنكرة لدينها وقيمها وأعرافها، منسلخة من تقاليدها وخصوصياتها، منتحلة شخصية المجتمعات الغربية، مستسلمة لـِ(تسونامي) عَولمة القيم الغربية، التي هي في الحقيقة وجه آخر من وجوه الاستعمار.
فالاحتلال العسكري قد طرده مجاهدونا الأبطال، لكن حل محله احتلال أخطر منه، يمكن المحتل من خيرات البلاد، من غير أن يكلّفه خسائر في الأرواح والأموال، ويجعل المحتل راضيا عن حالِه، مغتبطا بخدمة سيده ومولاه، إنه الاحتلال الثقافي والاقتصادي والسياسي، وأخطرها في نظري الأول، لأنه احتلال للعقول والأدمغة، ولأنه يجر إلى الثاني، ثم إلى الثالث.
فقد استطاع الغرب -مجندا في ذلك وسائل الإعلام المختلفة- أن يُصَدِّر ثقافته وعاداته إلى المجتمعات المسلمة، فغيَّر قناعاتها، وغسل أدمغتها، وألبسها نظاراته الخاصة، مما جعلها تنظر إلى الأشياء بالمنظور الغربي، فالحسن ما حسنه الغرب، والقبيح ما قبحه الغرب، وكأن الله تعالى لم يرسل إلينا رسولا ليخرجنا من الظلمات إلى النور، ولا أنزل علينا كتابا فيه هدى للناس، ولا شرع لنا شرعا حكيما يبين لنا الحق من الباطل، ويعلمنا أن الحسن ما حسَّنه الرب لا الغربُ، وأن القبيح ما قبحه الرب لا الغرب (فالغين زيادة منكرة وتحريف للحق). قال تعالى: “قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (المائدة).
وفيما يخص موضوع المرأة واستغلال الغرب لها في القضاء على القيم الإسلامية، فإنهم استهدفوا في حملتهم عليها الرجال والنساء، فأما الرجال فأطفؤوا فيهم جمرة الغَيرة وحرارتها، بأن صبوا عليها مياه الدياثة المتجمدة، فأصْبَحْتَ ترى أشباه الرجال وما هم برجال، فقد لقنوهم من خلال الأفلام الغربية، أن الرجل المتحضر لا غَيرة له على زوجته ومحارمه، فلا حرج من أن تعرض زوجته لحمها للعموم، ولا مانع من أن يكون لابنته أو أخته خدن أو أخدان حسب السوق.
وأما النساء فانتزعوا من قلوبهن ما فطرهن الله عليه من الحياء، بأن عرضوا لهن عبر وسائل الإعلام نموذج المرأة الغربية المتحضرة، فهي المرأة التي تكشف النحر، وتبرز الثدي والصدر، وربما اكتفت بستر القُبُلِ والدُّبُر -في الشواطئ- أيام الحر، مع خيط آخر يُشد على الظهر. وجعلوها تعتقد أنهم يريدون بها خيرا، وأنهم جاؤوا لينقذوها ويحرروها، في حين أن جنودهم يقتلون نساء المسلمين في بلاد أخرى، ويُرَمِّلُونهن بقتل أزواجهن، وييتمون فلذات أكبادهن.
صَدِّقِينِي أختي المسلمة، إنهم قوم لا يرْقُبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذِمَّة، إنما يدورون مع المصلحة كما يدور الحمار حول الرحى، فإن كانت مصلحتهم في سفك دمِكِ وهتك عرضك لم يتأخروا في ذلك، وإن كانت مصلحتهم في أن تتجردي من العفة والحياء دَعَوْكِ إلى ذلك، لتنشري الرذيلة في مجتمعك، ولا نكون مستحقين لنصر الله وتأييده، فالمعصية بريد الذلة، كما قال صلى الله عليه وسلم: “جُعل الذل والصغار على من خالف أمري” (صحيح الجامع5142).
فلا تكوني أيتها المسلمة ذلك المِعْوَل الذي يُهدم به الإسلام، ولا تكوني ذلك الخنجر الذي يطعن به في كبد الأمة، لا تَدَعي أعداء الإسلام يستغلونك في محاربة دينك وأنت لا تشعرين، فإنهم لم –ولن- يجدوا أحسن منكِ في حربهم على الإسلام وقيمه، ولا شيء أشد علينا من أن يحاربونا بِأنفسنا وبناتنا وأخواتنا.
فيا أيتها المسلمة رفقا بأمتك الضعيفة المسكينة، كفانا ما نعيش فيه من الذل والهوان، لا تنسي-أختي المسلمة- أصلك وجذورك، لا تتنكري لدينك وقيمك، وتذكري أنك واحدة من بنات أمهات المؤمنين كما قال الله تعالى: “النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ” (الأحزاب)، فيا بنت خديجة بنت خويلد، ويا بنت عائشة وحفصة وأم سلمة.. رَجَاءً ارحمي هذه الأمة، أشفقي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واتق الله فيها، وكوني لها لا عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *