العلمانية الرجعية والتأسيس للعري ونبذ الطهر والعفاف والستر

إن المرجعية الفكرية العلمانية المادية والتي لا مكان فيها للمقدس والقيم والأخلاق هي التي تقف وراء نظرة العلمانيين العدائية لكل داعية إلى الطهر والعفاف والستر، وإن حصل وتجرأ أحد العلماء أو الدعاة وقام بما أوجبه الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق للناس تنادوا مصبحين وممسين على النيل منه وتشويه سمعته ودعوته، مستغلين لتحقيق ذلك وسائل الإعلام ونفوذهم إلى مصادر القرار..

فبالأمس القريب شن العلمانيون حربا ضروسا على خطيب مسجد الحسن الثاني ورئيس المجلس العلمي لمدينة الدار البيضاء رضوان بن شقرون، إثر خطبته بتاريخ 24/06/2004 التي بثت على القناة الأولى مباشرة، أنكر فيها –مشكورا- الاختلاط والعري الفاحش في الشواطئ المغربية خلال فصل الصيف، فطالبوا بمنعه من الخطبة وتكميم فمه وهم دعاة حرية التعبير –زعموا-، فشنوا حملاتهم ضده عبر جرائدهم العلمانية، حيث طلب الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين فتح تحقيق حول مضامين خطبة بن شقرون، والدعوة إلى الرقابة المسبقة على خطب الجمعة التي اعتبروها ظلامية وشاذة ولا تنسجم مع المشروع الديمقراطي الحداثي. وعضضت جريدة الأحداث موقف الحزب فشنت حملة على عموم العلماء والخطباء والمجالس العلمية، معتبرة أن بعض أعضائها يتناقضون مع الرؤية الرسمية للدولة، ولا يكيفون خطبهم مع اختيارات المغرب الكبرى ومع الاختيارات الكونية.
وليعلم القارئ الكريم صدق ما نقول نذكر ببعض العناوين البارزة التي تضمنتها جريدة الأحداث آنذاك: “رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء يحرم اختلاط الجنسين في العمل واستحمام النساء بالشواطئ مباشرة على التلفزة”، “التطرف الديني يغادر الأحياء الهامشية ويعتلي منبر الحسن الثاني بالدار البيضاء”، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وبدون أي خجل أو حياء قامت إحدى المستشارات!!! من حزب الاتحاد الاشتراكي خطيبة في مجلس المستشارين ترفض وتنفي أن يكون ما أنكره رئيس المجلس العلمي للدار البيضاء مخالفا للدين الإسلامي معتبرة عمله هذا رجعية وتخلفا. (انظر مقال ثقافة الحزن والبكاء خير أم ثقافة الرقص والمكاء، السبيل العدد 3).
فلا غرو أي يقف العلمانيون هذا الموقف تجاه دعاة الستر والعفاف إن علمنا أن القيم عندهم تقوم على مبدأ “الحرية”، فكل فرد تكفلُ له الحريةُ القيام بأي شيء يحقق أهدافه، بغض النظر عن الاعتراضات على ما يقوم به من أفعال، وكل ما تصطلح الثقافة على أنه خير يخضع دائمًا في اختياره إلى مبلغ فائدته الاجتماعية لهذه الثقافة بالذات؛ فالقيم تكون صالحة أو فاسدة تبعًا لدرجة قدرتها أو عدم قدرتها على إشباع الحاجات الأساسية، البيولوجية والاجتماعية للناس في الثقافة المعينة” (القيم والعادات الاجتماعية ص:68).
وبناء على ما ذكر فالثقافة التي يدعو إليها العلمانيون هي ثقافة غربية انحلالية، ومن ثم وفي ضوء خاصية “صلاحية القيم” تكون تلك الثقافة هي الحكم على تصرفات الإنسان في عالمنا الإسلامي، علاوة على ذلك فإنه كلما زادت انحلالية الثقافة اتسعت دائرة المرغوب، وهو في هذه الحالة انحلالي بطبعه.
فالقيم عند العلمانيين ليس لها وجود ذاتي، إنما هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية، وليس لها ثبات لأن مصدرها -وهو الأوضاع الاقتصادية- دائم التغير، ثم هي حتمية التطور فلا يمكن الإمساك بها على وضع معين مهما حاول المحاولون من العلماء أو المفكرين.
وكانت تلك النقطة هي التحرير من ربقة التقاليد والعادات التي جاء بها الشاب والفتاة من المجتمع الزراعي، وكانت بمثابة المانع من الانحلال الأخلاقي.
أما الآن، إن كان المجتمع هو الذي يفرض الأخلاق؛ فأي انحلال خلقي لا يسمَّى انحلالا، بل يمسى تطورًا طبيعيًا يفرضه المجتمع الجديد، وكل من يريد أن يتمسك بقيم المجتمع الزراعي فهو رجعي لا يفهم شيئا. (البيان العدد 180).
هكذا حررت الفكرة الماركسية رباط الأخلاق والعادات والتقاليد عند المجتمع الصناعي الأوروبي، وكانت المبرر الذي أطلق كل الرغبات المكبوتة عند من عاش في المجتمع الصناعي ولم يكن متأقلمًا بسبب التمسك بقيم المجتمع الزراعي.
هكذا هم العلمانيون لا يريدون من الإنسان إلاَّ أن ينحرف عن مسار ربِّه، ودينه وشريعته، ويتحرر من القيود الدينية!
إنَّها حريَّة “جون لوك” تلك الحريَّة المنفرطة عن القيم والمبادئ.
ولو قارنَّا بين بيوت الدعارة في العصور الجاهليَّة القديمة وقت أن كانت تُرتاد ويُصرَّح لها ويدخل فيها السُّقط من القوم، وكيف هي بيوت الدعارة والفجور في عصر القرن العلماني! لوجدنا تشابهًا كبيرًا في الأفعال والتصرفات بين علمانيي اليوم والجاهلية القديمة، وكيف أنَّ الرذيلة والفساد شيئان لا تنفك عنهما تلك الجاهليتين، بل تسمح لهما وتصرِّح لأوكارهما!
أليس هذا قمَّة التخلف والرجعية والنكوص إلى القرون الكهفيَّة التي لم تكن تعبأ بانتشار الرذيلة، بل تحارب من يحاربها، كما هو حال القوم العلمانيين في هذه الأزمان المتحضِّرة! وهذا رجوع إلى الوراء؛ لأنّ العري بأنواعه كان من مظاهر التخلف الإنساني في العصور القديمة وحقًا: ما أشبه الليلة بالبارحة!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *