من مميزات منهج السلف “عدم التعصب للرجال” نور الدين درواش

المنهج السلفي منهج مرتبط بنصوص القرآن والسنة وفهم سلف الأمة عملا بقوله تعالى: “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً” النساء.

وكل رأي أو قول عارٍ عن الدليل ومتجرد من الحجة فلا يِؤخذ به، وكل عقيدة غير مستمدة من القرآن والسنة فلا تعتنق، وكل عبادة لم يدل عليها الوحي ولم يَتَعَبَّدها سلف الأمة فلا تُتَعَبَّد. “ومن ترك النقل المصدق عن القائل المعصوم واتبع نقلا غير مصدق عن قائل غير معصوم فقد ضل ضلالا بعيدا” المجموع27/125.
ولقد ذم الله تعالى تعصب اليهود لعلمائهم فقال:” اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ”التوبة.
وبين سبحانه وتعالى عاقبة الذين أعرضوا عن الحق تعصبا لآبائهم فقال: “وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ، فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” الزخرف.
فهذا حَبرُ الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رخص في شيء فقال له عروة: “نهى أبو بكر وعمر عنه، فقال ابن عباس: “أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال أبو بكر وعمر” جامع بيان العلم وفضله 2378.
ولما أفتى ابن عمر بالتمتع قيل لَهُ: “إن أباك ينهى عنه”، فقال رضي الله عنه: “أمرُ أبي يُتَّبع، أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟..” الترمذي.
فلم يكن سلف هذه الأمة يتعصبون إلا للحق ولا يقدمون على الوحي شيئا رائدهم في ذلك قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” الحجرات.
كان هذا حالهم رضي الله عنهم في التجرد من التعصب والتقليد “ثم خلف من بعدهم خُلُوف فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وكل إلى ربهم راجعون، جعلوا التعصب للمذاهب ديانتهم التي بها يدينون، ورؤوس أموالهم التي بها يتجرون، وآخَرون منهم قنعوا بمحض التقليد وقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، والفريقان بمعزل عما ينبغي اتباعه من الصواب، ولسان الحق يتلو عليهم (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)” إعلام الموقعين 1/11.
قال الشاطبي: “وقد زلَّ بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا” الاعتصام2/347.
ولا أحد من الخلق يستحق أن يوالى على منهجه ويحب في اتباعه ويعادى على نقيض ذلك إلا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، “وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلاما يوالي عليه يعادي غير كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون” مجموع الفتاوى 20/164.
ومن تأمل واقع أكثر الدعوات العاملة للإسلام اليوم رأى فقدان هذا المميز عن سائرهم، إذ ما من دعوة إلا ونصب أهلها رجالا ورموزا يُسْلِسُون لهم القياد في دِقِّ الأمور وجلها، بغير ضوابط شرعية، ولا قواعد مرعية إلا قولهم قال “آية الله” أو قال”الإمام” أو قال “الشهيد” أو قال “سِيدِي فلان” علاوة عن “المفكر الإسلامي الكبير” و”الزعيم الروحي” و”البروفيسور”.. ويا ويل من اعترض أو عارض أو استفسر فإنه عند القوم معيق لمسيرة الدعوة، وإن زاد فهو مثبط لدعاة “الصحوة”، وإن أصر كان -عندهم- عميلا لمخابرات بلده، وإن هاجم فهو عميل للموساد.. لأنه انتقد من هم أجل مِن أن يُنْتَقدوا، وأكبر من أن يُخَطَّأوا، ولا تسأل عمَّا يثمره ذلك من مُرِّ الثمار التي أقربها إهمال العلم وإعدام الدليل، والله المستعان.
قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: “وهذه حال كثير من الجماعات والأحزاب الإسلامية اليوم، إنهم ينصبون أشخاصا قادة لهم، فيوالون أولياءهم ويعادون أعداءهم، ويطيعونهم في كل ما يفتون لهم دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، ودون أن يسألوهم عن أدلتهم فيما يقولون أو يُفتون” حكم الانتماء121.
وكمثال على مغالاة الجماعات الإسلامية في الرجال يقول سعيد حوى رحمه الله وغفر له: “إن نقطة البداية في الثقة المطلقة بالإسلام ترجع إلى الثقة بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم. ونقطة البداية في الثقة المطلقة بدعوة الإخوان المسلمين ترجع إلى الثقة بشخص حسن البَنَّا رحمه الله..” المدخل إلى دعوة الإخوان 179.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *