العلمانيون والقراءة الجديدة للنصوص الشرعية

القراءة الجديدة للنصوص الشرعية هي بالطبع ليست قراءة الصحابة أو التابعين أو الأئمة الأعلام، فإن قراءتهم -حسب العلمانيين- لم تظهر فيها مثل هذه المعاني النبيلة، بل كانت غائبة في بطن التاريخ، ولذا فهي في حاجة إلى من يخرجها الآن، وهم بالطبع المجددون العصريون الذين يقومون بالتغيير المطلوب في الأحكام الشرعية.

غير أنا نقول: إن اختلاف الناس في الفهم والاستنباط من النصوص أمر واقع لا يدفع، لكن هذا لا يعني ضياع الحق، أو أنه لا يمكننا الاهتداء إليه، أو أنه لكل أحد أن يفهم بطريقته الخاصة، ويعمل بما فهم من غير معقب، فالذي يدرك كل أحد أن الفهم منه صواب ومنه خطأ، وأن معرفة الخطأ من الصواب ممكنة وواقعة، لأن الله تعالى لم يكلف عباده بشيء لا يعرف خطؤه من صوابه، ومن ثم فإن الحديث عن تعددية القراءة لا يصلح مسوغا لتجاوز مدلولات الشريعة، ولعل هؤلاء الذين يبشرون بتلك القراءات هم من عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم” مقدمة صحيح مسلم، وفي رواية: “يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم” مقدمة صحيح مسلم، وقال معاذ رضي الله عنه: “يوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة” أخرجه أبو داود.
ويصف هؤلاء من يخالف قراءتهم من أقوال أهل العلم على أنها قراءات جعلت النصوص الشرعية رهينة لقراءتهم المتشددة، والمشبعة بالصراع السياسي، والاحتقان في التعامل مع المخالفين، ولهذا يُظهر هؤلاء النقد الشديد للسلف تحت مسمى: “نقد التيار السلفي”، وقد يحدث أن يتورط بعضهم فيكشف عن حقيقة الدافع لدعوى تعدد القراءة من غير أن ينتبه لذلك، فيذكر أن “المجتمعات العربية والإسلامية هي مجتمعات متدينة، ويغدو الحديث عن التقدم والنهضة والحضارة بغير استحضار الدافعية الدينية عن طريق ممارسة قطيعة مع الإرث الثقافي والفكري والاجتماعي، يغدو أمرا غير قابل للتطبيق”، ويقدم من وجهة نظره الحل الذي يجمع بين الدعوة إلى التقدم مع عدم القطيعة من الناحية الشكلية مع الإرث الثقافي والفكري والاجتماعي، وهو: “قراءة حضارية للنص، تخرج ما غيبه التاريخ، وتطرح قيم التعامل مع العالم المفتوح، وقيم الحرية والتسامح والنهضة والتقدم الإنساني، وتعيد مساحة المشتركات الإنسانية الواسعة”.
إذن، فالمطلوب إحداث قطيعة مع فهم الصحابة وفهم العلماء الربانيين، وليس الأمر مجرد قراءة جديدة أو إنجاز اجتهاد.
فلصالح من يا ترى يطالبنا العلمانيون بإجراء قطيعة مع ماضينا وتراثنا وفهم سلفنا الصالح لكلام ربنا وسنة نبينا؟
وهل بمحض الصدفة تتشابه مطالب العلمانيين بضرورة إعادة قراءة النصوص الشرعية مع مطالب السياسيين والنخبة في بلاد الغرب التي تستنزف ثرواتنا وتروم استعبادنا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *