بعد صدور تقرير مركز راند لعام 2007 (تجد مضمونه في بعض مقالات الملف)؛ لاحظنا تحركات إعلامية وسياسية قوية للتجاوب مع توصياته.
والعجيب المستنكر أن هذه التحركات قامت على التقليد المحض، والثقة العمياء بتقارير مشبوهة أقل ما يقال فيها أنها صادرة عن قوم لن تهمهم مصالحنا بقدر ما تهمهم مصالحهم.
والظاهر أن جهات معينة قررت توسيع دائرة المواجهة لتشمل كل الجمعيات ذات التوجه السلفي مطلقا؛ ممتثلة بذلك توصيات التقارير -أو قل الأوامر الأمريكية- دون مراجعة أو تثبت، ودون بحث علمي موضوعي منصف عن هذه الجمعيات المرخص لها قانونا، والتي لم يسبق لها أي احتكاك بالسلطة أو بالنظام.
فلم يكلف الذين وسَّعوا دائرة المواجهة أنفسهم عناء البحث عن حقيقتها وماهيتها، ولا البحث عن جذورها وقواعدها، ولا البحث عن قناعاتها وأفكارها، ولا النظر في دعوتها وتطبيقاتها، وهل هي فكر دخيل مشبوه، أم منهج أصيل؟ وهل ثبت فيها ما يهدد الأمن والاستقرار أم ثبت عكس ذلك؟..
وهذا تقصير يكبل سياساتنا بأغلال التبعية المُورثة للضعف، والمؤدية إلى المفارقات والتناقضات..
وفي سياق هذا الامتثال الأعمى ولما كان لا بد من امتثال الأمر وتطبيق التوجيه؛ كان لا بد من إيجاد مسوغ بأي وجه من الوجوه؛ فسمعنا أقوالا غريبة ورأينا تصرفات عجيبة؛ فمن قائل بأن السلفية تفرخ الإرهاب، ومن زاعم بأنها تتربص بالمجتمع، ومن واصف لها بالظلامية والتخلف ومعاداة التقدم والتحديث، ومن مقدم على إغلاق عشرات دور القرآن بناء على فتوى مزعومة لشيخ سلفي، …إلـخ.
وأمام هذا الاضطراب في المواقف، والجزافية في الحكم، وحرص بعض الجهات على التعمية وإخفاء الحقيقة؛ قامت أسبوعية السبيل بإعداد هذا الملف قصد تنوير الرأي العام المغربي، فاسحة المجال للأقلام السلفية لتتحدث عن نفسها، وتكشف الشبه عن دعوتها، وتوضح للقراء حقيقة هذه الحملة المريبة القائمة على إملاءات خارجية وأحقاد إديولوجية داخلية دخيلة، تصفيةً لحسابات باطلة، بعيدا عن لغة العلم والعدل والإنصاف.
.. وفي سياق المكر بالسلفية وسعيا للتنفير منها وصفت بأنها دعوة وهابية غزت المغرب؛ مع أن أصحاب هذه الفرية يعلمون أن السلفية أصيلة في المغرب، عرفها يوم تشرف بالفتح الإسلامي، وجددت الدعوة إليها دول وحكام؛ كدولة المرابطين، والملك سيدي محمد بن عبد الله، فما علاقة هؤلاء بالمجدد المصلح: محمد بن عبد الوهاب؟
وما ذنب السلفية إن اقتبست من دعوته ما ظهر دليله ولاح برهانه؟ فإذا كان ذنب السلفية باعتبارها التزاما لمنهج السلف الصالح -الصحابة- أنها جاءت من المشرق، فإن الإسلام نفسه وكله جاء من المشرق، والمذهب المالكي والعقد الأشعري من المشرق؟
وإن كان ذنبها أنها تدعو إلى التوحيد الخالص وتجريد العبادة من البدع والخرافات والأوهام فهذا هو عين ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مرفوض عند مكرة الغربيين الذين لا يحبون أبدا أن ينتشر الإسلام الخالص.
وقد ظهر لنا من خلال هذا الملف بجلاء ووضوح أن السلفية إنما تمثل الامتداد السليم للإسلام الصحيح، وأن هذا التوجه مرفوض عند صناع القرار الذين رفعوا شعارات الحرية والديموقراطية بيمينهم، في الحين الذي يتحكمون فيه بالشِمال في شؤون البلاد والعباد، ويفرضون عليهم (الحداثة) دينا جديدا وحيدا من ابتغى غيره فهو عندهم من الخاسرين، ولا يقبلون من المذاهب إلا ما يتماشى معه.
وللقارئ المنصف أن يقارن بين هذا الذي جزمنا به، وبين ما أعرب عنه المستشرق “فوكوياما” حين قال: “أنا أرى أن التوفيق ممكن بين الإسلام كدين وبين الحداثة؛ فالإسلام يمثل ديناً ونظاماً ثقافياً معقداً للغاية، وقد أثبت قدرته على التوافق مع الحداثة في عدد كبير من المجتمعات والأفراد، ولا أرى هناك سبباً يمنع من وجود شكل حديث للإسلام، غير أن نوع الإسلام الصحيح لا يمكن أن يتفق مع الحداثة، والقضية الأساسية هي إمكانية وجود دولة علمانية تجعل الإسلام بين حيطان أربعة”. (فوكوياما يتحدث إلى وجهات نظر).
وقد علم الغرب أن الإسلام الصحيح ليس إلا السلفية، وأنها منهاج أصيل، وامتداد سليم؛ وهو ما يفسر إعلان الحرب عليها دون غيرها:
يقول “كولن ولسون”: “إن مفهوم السلفية كمنهج في الإسلام لا يعني جيلا أو أجيالا مضت، ولكن تتسع دائرته فتشمل الحاضر والمستقبل أيضا، لأنه لا يتعلق بالزمن والعصور، لكن باتباع الطريقة الواحدة الثابتة حتى لو كان أصحابها قلائل، فمن دواعي بقاء الحضارة الناجحة استطاعة القلة من الطلائع مجابهة التحديات” (سقوط الحضارة).
جاء في دائرة المعارف البريطانية: “الحركة الوهابية( ) اسم لحركة التطهير في الإسلام، والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواها، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح”.
وقال المستشرق الإسباني (أرمانو): “إن كل ما ألصق بالوهابية من سفاسف وأكاذيب لا صحة له على الإطلاق، فالوهابيون قوم يريدون الرجوع بالإسلام إلى عصر صحابة محمد”.
وقال المستشرق اليهودي (جولدزيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة): “إذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية نجد أنه مما يسترعي انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني الحقيقة الآتية: يجب على كل من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصارا للديانة الإسلامية على الصورة التي وضعها النبي وأصحابه، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان”.
ولكل ما سبق ذكره اخترنا هذا الملف.