لا يزال الرأي العام المغربي يستحضر غيرة بعض المسؤولين على قاصرات وهميات نسجهن خيالهم من تفسير الدكتور المغراوي.
غيرة دفعت أولئك المسؤولين إلى إغلاق (70) دارا للقرآن حفاظا على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة!
وأما القاصرات الحقيقيات المعرضات لألوان الضرر وأشكال الاستغلال الساقط، فلا نكاد نسمع في الغيرة عليهن حسا ولا ركزا.
أجل؛ فتاة في الخيال يُغار عليها، وتستصدر القرارات المجحفة بذلك الادعاء، وآلاف الفتيات في الواقع نجد في قانون الحريات ما يساعد على انحرافهن الحاد وتعرضهن لكافة أشكال الابتزاز والاستغلال.
وقد صار حالهن ظاهرة يندى لها جبين المروءة، ويقشعر بسببها جلد الحياء والشرف:
وكيف لا، والمرء يرى صباح مساء مشاهد لمدخنات على الملأ، أو معاقرات للخمور، أو عاهرات تتراوح أعمارهن بين التاسعة والثامنة عشر، أو وسيطات للسياحة الجنسية..، واللائحة تطول.
وهو ما حذا بعدد من مديري بعض المؤسسات التعليمية في مدينة مراكش بوضع شكاوى في الدوائر الأمنية التي تنتمي إليها تلك المؤسسات، مصحوبة بشكاوى آباء وأولياء التلاميذ، مما دفع عناصر من الأمن بالمدينة إلى مداهمة محيط بعض الثانويات، حيث باغتت مجموعة من التلاميذ والتلميذات في حالة تلبس، كما وجدت بعضهم في حالة سكر بيِّن!
وحسب مصادر نقلت الخبر؛ فإن الحملة الأمنية شملت ثانوية محمد السادس وابن تومرت والزرقطوني..
ويفيد المصدر نفسه أنه تم اعتقال (17) تلميذا وتلميذة، وقدموا إلى العدالة بتهمة السكر العلني والتحرش، كما تم اعتقال (19) تلميذ وتلميذة من باب مؤسسات أخرى، وقدموا بنفس التهمة، وحسب نفس المصادر فقد ثبت للشرطة بأن ضمن المعتقلين فتيات قاصرات فقدن عذريتهن وأصبحن مشاريع “أمهات عازبات” بدون علم أهلهن، وسيتم إحالة الجميع على القضاء قصد التحقيق والمتابعة.
نعم هذا غاية ما سمعنا من تحرك في مقابل هذه الظاهرة (انحراف القاصرات)، وإنما دفعت إليه شكاوى بعض الشرفاء، وهو إجراء عابر ومحدود، لا يفي باجتثاث جذور الظاهرة..
أين جمعيات حقوق المرأة التي تتباكى على وجود نسبة (10%) من زواج القاصرات؟!
أين هو ترشيد الإعلام وتجفيف ما فيه من منابع هذه الانحرافات؟
أين هي الخطط الموضوعة في مناهج التعليم ومقرراته لاحتواء الظاهرة؟
وأين هو تحرك الداخلية لإغلاق المقرات التي تفرخ هذه الشرور؛ من حانات وخمارات ومراقص ورياضات وإقامات الفجور، كما أغلقت دور القرآن؟!!
لقد حدثني بالأمس القريب أحد الإخوة عن صديق له يعمل في فندق، عاش حياة المجون والفسق بما ظن أنه لا مزيد عليه، فدعي من طرف بعض الخليجيين إلى سهرات حمراء يتكلف فيها بالطبخ وتقديم الطعام.
فما راعه وهو داخل الشقة الفارهة بإقامة مشهورة بمراكش إلا عددا من الفتيات لم تتجاوز أكبرهن 15 سنة، دخلن الشقة مكبلات بسلاسل الفقر والحاجة المادية، وأغلال ما يزرع في نفوسهن من الشهوة البهيمية، فانكب عليهن وحوش الجنس بشره وحيوانية أدهشت ذاك الذي ما كان -بشهادته هو- يفارق أحضان العاهرات.
قال: والذي هالني أكثر أن فتاة خرجت فارة من غرفة من أحد أولئك الوحوش، فتبعها وأشبعها ضربا حتى كاد يغمى عليها، فربطها بثوب الفراش واغتصبها على مرأى من الجميع!
وهنا نجد أنفسنا مضطرين للتساؤل: من يقف وراء هذا العمل الإرهابي الخطير؟
من يستقطب فتيات المدارس الفقيرات ويغريهن بصلاح أحوالهن وأحوال أسرهن من أجل إخضاعهن لتلبية شهوات الذئاب والسباع الضارية؟
من ذا الذي يقف وراء هذه الشبكة التي تتعهد بتوفير هذه السلعة (الأبكار) لطالبيها من الفجار، مقابل مبالغ مالية وسخة؟
وما هي جهود المسؤولين المعنيين في المقاومة الجادة لهذه الجرائم التي تنذر بخراب وكوارث فظيعة؟
وثالثة الأثافي؛ تقرير المنظمة الإفريقية لمحاربة السيدا، الذي نص على أن السن الذي تبدأ فيه بعض الفتيات امتهان الدعارة في المغرب هو ست سنوات!!
وأن أكثر الأسواق استقطابا لتجارة الدعارة هي تلك المتوفرة على فتيات تتراوح أعمارهن بين: 9 و13 سنة!
ومع هذه الكوارث كلها تطلع علينا حكيمة حميش رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة السيدا بكلام خطير يكرس الداء؛ كقولها في الحوار الأخير الذي أجرته معها مجلة (le soir): “لو أتيحت لي إمكانية توزيع العازل الطبي في الثانويات لفعلت ذلك”!
وفي نفس الحوار تقول: “التزام العفة إلى حين الزواج ليس حلا واقعيا من وجهة نظري”!!!
بلى يا أستاذة، إنه الحل الأمثل لمن أتاه من بابه، وأحاطه بأسبابه، التي لا يفقهها ضحايا الاستلاب الفكري في زمان وُسّدَت الأمور إلى غير أهلها.
وختاما أقول: إنني أقر بأن منع زواج الصغيرة له في كثير من تطبيقاته مأخذ شرعي معتبر، لكن يبقى أولى منه في الاعتبار الشرعي والتصرف المنطقي: منع انحراف القاصرات..