غزة بين وهم النُّصرة وحقيقة التولي يوم الزحف عبد المغيث موحد

عندما تموت كلاب أو قطط الحاكم الأمريكي، ترتفع أسهم الشفقة في بورصة القيم الإنسانية، وتتعالى أصوات دعاة الحياة أهل الرفق بالحيوان، ترتفع أصوات التأبين، ويفتح باب التحقيق، وتشرع نافذة التدقيق، ويروم الكل معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الموات، وعندما تهدم غرانيق بوادر ذلك الموروث الوثني، ينتقص العالم، وتعلو الصيحات، وتتوالى الآهات، وتفتح قسي الوعيد، وتمرق سهام التهم الجاهزة، وعندما يموت الجندي “الآري” ذو السحنة البيضاء عند وطيس الأرض المغتصبة فإن عملة التعويض تقدر بالكبريت الأحمر والسندس الأخضر.
نعم، إن دم القرد ولحم الخنزير غال الثمن، يزيد من قيمته صندوق مقاصة المجتمع الدولي المنحاز لعصابة من النخاسة المتواطئ معها على سلب مروءتنا، واقتسام جغرافيتنا وإراقة دمنا على الثرى، كما تراق زجاجة النبيذ في جوف المجرم العربيد، الذي يسقى عدوانيته خمرا لإسكات صوت الضمير ووأد دعوات التحرير.
نعم، إن أرخص دم ولحم هو دم المسلم ولحم المؤمن، فحينما يموت الأفغاني الأغبر والعراقي الأشعت وتدك الأرض بالدار وما حوت يجيء التعويض بالثمن البخس المعدود، وحينما تقصف غزة دار العزة بالصواريخ وأم القنابل، وتفتح عليها جبهات النار من البر والبحر والسماء يتنكر المجتمع الدولي لنظرية التناسبية التي أطنبوا في شرحها ثم أرسلوها معلبة في كتبهم المفروضة على مناهجنا التعليمية.
إن صاروخا تطلقه المقاومة يقتل مسنة صهيونية قتلا معنويا، ويصيب كلبا وقطة في شارع من شوارع الأرض المغتصبة، يقابله وابل من الصواريخ العابرة للقارات، وزلزال من القنابل، وارتجاج تحدثه القاذفات الحضارية المصدِّرة لمشروع الإبادة، وقانون الجريمة المنظمة في حق شعب أعزل، يحاصر لمجرد كونه رفض أن يتخلى عن صلته بالله، تلك الصلة التي لا عوج فيها.
رفض أن يتبرأ من نعمة الانتساب إلى الحنيفية، رفض وهو يثور أمام هذه القوة المستبدة الغاشمة أن يتنكر لحقه في هذه النسبة الروحية الشريفة، رفض أن تصافح يده البيضاء النقية تلك الأيادي التي ألِفت البطش والعدوان، أياد صار الفتك عندها قربة ودينا، أياد إحساسها بالأثرة العرقية يملأ قبضتها بالحقد والكراهية والبغض والضغينة، أياد بعد الإيغال في لمسها تتحسس منها صلابة وإصرار على سفك دماء المخالف، أياد حينما يخطب أصحابها من على منابرهم العاجية فإنهم لا يتوانون عن رفع الشعارات الطافحة بكلمات الموادعة وألفاظ المهادنة وعبارات الشكوى والتباكي البعيد كل البعد عن سلوكياتهم وأفعالهم التي تشيب من ساديتها الذوائب وتبيض من تكالبها النواصي.
إن نفوسنا يغزوها الألم وتعصرها الأحزان، وإن أعيننا يؤلمها الكمد ويعميها الرمد، وهي ترى ساستنا على أعتاب الغرب الصليبي الحاقد يستجدون الأمن والأمان، وينشدون السلم ويشترون السلام، مع كيان غاصب وصرح كاذب لا يرقب فينا إلا ولا ذمة، أمة المليار ونيف تخشى عصابة من “شديد الحرص على حياة” حفنة عفنة لو بصقنا عليهم معشر المسلمين لأغرقناهم في يم من اللعاب تحقيقا لا تعليقا، ولكنه الوهن حب الدنيا وكراهية الموت، ذلك الداء الذي استشرى في جسدنا فأفسد أول ما أفسد مادة تراصنا وتوادنا، حتى صرنا أطيافا وأصنافا وأحلافا، فأصبح منا المنافقون الذين متى رأوا ما ؟أصاب ويصيب إخوتنا في غزة قالوا ما قاله أسلافهم لأسلافنا “لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا”، وكان منا أهل المصالح الذين غضوا الطرف وتخلفوا ثم عذرا “إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ” ومنا من قال لأهل غزة ما قالته بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام “فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ” ومنا من زاد على هذه الثلاثة فحرص وحاصر وشرعن للعدوان همجيته، كما فعل رئيس “أم الدنيا”، ومنا الذين فاضت أعينهم من الدمع فاحتجوا ونددوا، وحالت بينهم وبين ثغور الجهاد والمرابطة أسباب بلغت نصاب الأعذار، وقالوا حسبنا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، مستضعفون غرباء محاصرون في مشارق الأرض ومغاربها، لكنهم يعلمون دون سواهم أن الذي أتى ببني صهيون إلى أرض الإسراء هو باعث ديني ووازع عقدي، ويعلمون أن الغرب الصليبي وأمريكا الحاقدة هم الذين أطعموا عصابة اليهود من جوع، وآمنوهم من خوف يعلمون أن عصابة اليهود ما تداعت على قصعة أرض الوقف الإسلامي وما استباحت دم الأبرياء وعرض الأشقاء إلا بعد ما نجح الاحتلال البغيض ابتداء في تمزيق الأمة الواحدة إلى مجموعة قوميات ضيقة، كانت وستزال نكسة على الإسلام ونكبة على المسلمين يعلمون ويستشرفون حقيقة مفادها أن عصابات بني صهيون لو أنها هاجمت غزة وهي جزء من كيان كبير موحد له جيش واحد وأمير واحد لكانت دفعت حياتها ثمنا لغدرها ومغامرتها، ولكانت ذابت كما تذوب الملح القليلة في الماء الكثير.
فما أحكم موعظة القرآن ومن أبلغ أمر الواحد الديّان: “وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، فإلى هؤلاء الأحرار الشرفاء الأبرار الذين يرابطون ويقاومون ذودا عن القدس ونيابة عن الأمة نزف لنا ولهم ذكرى وبشرى كوننا أمة غالبة باقية بقاء السماوات والأرض، فلا نحن هنود حمر، ولا نحن عُباد بقر أو عباد حجر وشجر بل نحن عباد خالق البشر، مدبر الأمر أتباع من انشق له القمر…قوم سيشير لهم الشجر ويدلهم الحجر عن كل يهودي جبان متوارٍ مختبئ ينطقه الله سبحانه فيقول: يا مسلم إن ورائي يهودي تعالى فاقتله.
فحي على الإسلام حي على الإيمان ولنكن معشر المسلمين أصحاب ذاكرة حتى لا ننسى، وحتى يتسنى لنا أن نبلغ أجيالنا اللاحقة خلف التمكين ما جرى وما كان بأمانة وإخلاص فرُب مبلغ أوعى من سامع ورب غائب أفضل من حاضر معاصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *