لماذا ساندت الدول الغربية الصهاينة ومكنتهم من أرض فلسطين؟ نبيل غزال

حين استبان للقوى الامبريالية التوسعية حرص شعوب المشرق العربي على الاتحاد تحت لواء واحد خشيت تلك القوى مغبة تلك السياسة التي تهدد مصالحها في المنطقة العربية، لذلك حرصوا على أن تظل تلك الشعوب العربية شيعا ممزقة الأوصال، موزعة الرأي، ففكروا في اتخاذ حليف لهم يربض في مفترق الطرق بين البلاد العربية ويمزق أوصالها، ولا يفتأ يثير بينها أسباب الخلف، فلا تتم لهم الوحدة التي يخشاها الاستعمار أبدا، فعقد لهذا الغرض مؤتمر “باترمان” الاستعماري في لندن سنة 1325هـ/1907م الذي نص على ضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الأسيوي، واقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب يمثل الجسر الذي يربط آسيا بإفريقيا، بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة. (مقارنة الأديان، اليهودية 1/108-109).
وقد صادفت هذه الرغبة معاناة كثير من الدول الغربية من المشاكل التي تثيرها الجاليات اليهودية باستمرار، والتي تقف مكتوفة الأيدي حيالها إذ لا تجد في الغالب الحل الحاسم لإنهائها والقضاء عليها.
بيد أن تلك الدول وجدت في الحركة الصهيونية التي تنادي بتهجير اليهود إلى فلسطين العلاج الناجع لمثل هذه المشاكل، فقررت الاستجابة إلى مطالب اليهود بالهجرة إلى فلسطين، ورأتها فرصة مواتية للتخلص منهم ومن مشاكلهم، التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ بشكل أقوى من جديد.
إضافة إلى أنه عن طريق تهجير اليهود عن بلدانهم الأصلية يمكن توفير فرصة لبقية عمال البلاد العاطلين عن العمل.
ومن بين الدول الغربية العظمى التي حاولت التخلص من مشاكل اليهود وتهجيرهم إلى منطقة أخرى نذكر:
1- محاولة بريطانيا التخلص من مشكلات اليهود
كان كثير من أقطاب السياسة في الدولة التي احتضنت الحركة الصهيونية –بريطانيا- يمقتون اليهود ويدعون في الوقت نفسه الشفقة عليهم، والحرص على إيجاد وطن ينهي تشردهم.
فهذا “جوزيف تشمبرلن” وزير المستعمرات البريطاني الذي يكن الاحتقار لليهود، كان يرى أن الصهيونية أداة جديدة لخدمة الاستعمار لأنها لن تزيد النفوذ البريطاني لإقامة مستعمرة بريطانية في سيناء فحسب، بل إنها ستخفف الضغط الناتج عن هجرة العمالة اليهودية الرخيصة من أوروبا الشرقية إلى بريطاني. (ريجينا الشريف، الصهيونية والعنصرية 2/35-36، العنصرية اليهودية 4/182).
2- محاولة ألمانيا التخلص من مشكلات اليهود
حين وصل الحزب النازي إلى الحكم في مطلع عام 1351هـ/1933م وتولى زعيمه “هتلر” منصب المستشارية من ذلك العام بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الألمانية اليهودية قوامها العداء الألماني السافر لليهود انطلاقا من النظرة العرقية للشعوب الأخرى، والسعي إلى تأمين سيطرة العرق الآري (الجرماني) على العالم.
فقد جاء في مذكرة لـ”هتلر” مؤرخة عام 1337هـ/1919م ما يأتي:
“يجب أن يكون الهدف النهائي للاسامية المعقولة طرد جميع اليهود من ألمانيا” (العلاقات الألمانية الفلسطينية، Ben Elissar, E : La diplomatic du III Reich et les juifs, PP.50-51، العنصرية اليهودية 4/184).
لذلك شرع “هتلر” منذ وصوله إلى السلطة بسن القوانين لمكافحة اليهود في ألمانيا وإكراههم على مغادرة البلاد. (اضطهاد اليهود في ألمانيا النازية).
وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات النازية تدبر المجازر لليهود الداعين إلى عدم الهجرة من ألمانيا باعتبارها وطنهم فقد سمحت لمكاتب الحركة الصهيونية في المدن الألمانية الكبرى بالاستمرار في نشاطاتها السياسية، بل إنها لقيت كل تشجيع من تلك السلطات (إسرائيل خنجر أمريكا ص:35، العلاقات الفلسطينية الألمانية Ben Elissar, E : La diplomatic du III Reich et les juifs, PP.50-51، العنصرية اليهودية 4/184).
قالت صحيفة “فرانكفورت تسايتونغ” الألمانية: “ومع كرهنا الشديد لليهود لا نخفي عطفنا على الحركة الصهيونية” (العرب ومشكلة اليهودية ص101).
فهذا العطف النازي على الحركة الصهيونية ليس حبا فيها ولكنه تشجيع لها على ترحيل أكبر عدد ممكن من اليهود لأنها هي الوسيلة الفعالة في مثل هذه الأمور.
3- محاولة الولايات المتحدة التخلص من مشكلات اليهود
لقد ضاقت الولايات المتحدة الأمريكية –التي أصبحت فيما بعد أنموذجا للانحياز الدولي للكيان الصهيوني- ذرعا بالزحف اليهودي على بلادها، ولذلك عملت على تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين. (ألفريد ليلنتال، ثمن إسارئيل ص:61، العنصرية اليهودية 4/185).
فقد صرح “أرنست بيفن” وزير الخارجية البريطانية الأسبق لجريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية عام 1365هـ/1946م وهو يفسر تلك الحماسة الأمريكية لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين بقوله: “ولقد كان المواطن الأمريكي “بنيامين فرانكلين” –عالم وكاتب وسياسي وفيلسوف أمريكي..- أول من حذر مواطنيه من الخطر اليهودي في مؤتمر إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1203هـ/1789م وهذا نصه: “هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك الخطر هو الخطر اليهودي.
أيها السادة: حيثما استقر اليهود نجدهم يوهنون من عزيمة الشعب، ويزعزعون الخلق التجاري الشريف، إنهم لا يندمجون بالشعب، لقد كانوا حكومة داخل حكومة، وحين يجدون معارضة من أحد فإنهم يعملون على خنق الأمة ماليا كما حدث للبرتغال وإسبانيا، منذ أكثر من 1700 سنة وهم يندبون مصيرهم المحزن لا لشيء إلا ادعاؤهم أنهم طردوا من الوطن الأم، ولكن تأكدوا أيها السادة أنه إذا أعاد لهم اليوم عالمنا المتمدن فلسطين فإنهم سيجدون المبررات الكثيرة لعدم العودة إليها، لماذا؟ لأنهم من الطفيليات التي لا تعيش على نفسها، إنهم لا يستطيعون العيش فيما بينهم، إنهم لا بد أن يعيشوا بين المسيحيين وبين الآخرين الذين هم ليسوا من جنسهم.
إذا لم يستثن اليهود من الهجرة بموجب الدستور ففي أقل من 100 سنة سوف يتدفقون على هذه البلاد بأعداد ضخمة تجعلهم يحكمونها ويدمرونها ويغيرون شكل الحكومة التي ضحينا وبذلنا لإقامتها دماءنا وحياتنا وأموالنا وحريتنا الفردية.
إذا لم يستثن اليهود من الهجرة فإنه لن يمضي أكثر من 20 سنة ليصبح أبناؤنا عمالا في الحقول لتأمين الغذاء لليهود الذين يجلسون في بيوتهم المالية مرفهين يفركون أيديهم بغبطة.
إنني أحذركم أيها السادة إذا لم تستثنوا اليهود من الهجرة إلى الأبد فسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم، إن عقليتهم تختلف عنا حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال، والنمر لا يستطيع تغيير لونه، اليهود خطر على هذه البلاد، وإذا سمح لهم بالدخول فسوف يخربون دستورنا ومنشئاتنا، يجب استثناؤهم من الهجرة بموجب الدستور. (خطر اليهودية العالمية نقلا عن The Nameless war, capt. Ramssay, London 1952، العنصرية اليهودية 4/187).
وصدق “فرانكلين” في كل ما توقعه من اليهود في إفساد الولايات المتحدة الأمريكية حينما لم تعمل بوصيته وربما تكشف الأيام -وهي حبلى- بأمور إفسادية سيحدثها اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تخطر على عقل أحد من البشر.
4- محاولة الاتحاد السوفيتي التخلص من مشكلة اليهود
كانت روسيا القيصرية –وهي الدولة السالفة على الاتحاد السوفيتي- تكره اليهود إلى درجة اضطهادهم، حيث يقول “ويت” وزير الخارجية الروسي متحدثا عن الزعيم الصهيوني “هرتزل” عندما حثه على تشجيع الهجرة اليهودية من روسيا:
“إننا نعطي كل ذلك التشجيع على الهجرة بأن نركلهم بأقدامنا” (ملف إسرائيل، رجاء جارودي، العنصرية اليهودية 4/185).
وحين أعلن عن قيام الاتحاد السوفيتي بديلا لروسيا على إثر الثورة الشيوعية عام 1335هـ/1917م، سلك -على الرغم من العلاقة القوية بين الشيوعية واليهود- المسار السابق نفسه، لأن الزعيم السوفيتي “ستالين” كان يرغب في التخلص من يهود الداخل، والتحرر من نفوذهم الفكري وتأثيرهم في اتجاهات الأحزاب (التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية ص:37، العنصرية اليهودية 4/188).
تلك كانت بعض الدوافع التي جعلت المعسكرين الشرقي والغربي على الرغم من خلافاتهما يتفقان على مؤازرة اليهود من خلال حركتهم الصهيونية ودولتهم اللقيطة “إسرائيل” بكافة المساعدات الأدبية والمادية، لينقل وباؤهم فيما بعد إلى بلاد الشام وبالضبط إلى فلسطين المحتلة.
فإذا علمنا ما سبق وأضفنا إليه استحواذ اليهود على الإعلام والمال في العالم أيقنا أن قضيتنا في فلسطين يستحيل التماس حل لها عن طريق الأمم المتحدة أو بالاستعانة بالدول الغربية بصفة عامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *