سمي الأقصى بمعنى البعيد لأنه لم يكن وراءه مسجد آخر في الأرض، وكان في أبعد الأماكن التي وصل إلها العرب خلال رحلاتهم إلى الشام قبل الإسلام، وقد سمي بهذا الإسم في قوله تعالى عند ذكر قصة الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ”، وجمع بعض العلماء كالزركشي في كتابه أعلام المساجد أسماء المسجد الأقصى وأهمها: المسجد الأقصى ومسجد إيلياء بيت المقدس والبيت المقدس وبيت القدس وغير ذلك.
فضائل المسجد الأقصى
فضائل المسجد الأقصى كثيرة ومشهورة: منها أنه كان قبلة ومتوجهاً للأنبياء السابقين قبل الإسلام في الصلاة، كما صلى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طيلة مقامهم في مكة عشر سنين، ثم صلوا إليه بعد هجرتهم إلى المدينة قرابة ثمانية عشر شهراً قبل أن يؤمروا بالتحول إلى الكعبة، وقد أشار الله سبحانه إلى صلاتهم تجاه قبلة بيت المقدس في قوله: “سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها” يقصدون بذلك بيت المقدس.
ومنها أيضاً: أن الإسراء بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده قبيل الهجرة قد تم ووقع من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلي المسجد الأقصى يقظة لامناماً، على ما ثبت في الآية الشريفة والحديث الصحيح، وفي هذا المسجد في الإسراء اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء السابقين، وقام فيهم خطيباً، وقدموه فصلى بهم ركعتين تكريماً له وتشريفاً، وعندما عاد عليه السلام إلى مكة وكذبته قريش، اقترح أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم لقريش المسجد الأقصى – وكان قد دخله ليلاً – فرفعه الله له حتى وصفه لهم باباً باباً ونافذة نافذة فكان ذلك من آيات نبوته.
ومن فضائل المسجد الأقصى: أنه أقدم المساجد التي عمرت لعبادة الله وحده بعد المسجد الحرام، كما جاء في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: “المسجد الحرام” قلت: ثم أيّ قال: “المسجد الأقصى” قلت: كم كان بينهما؟ قال: “أربعون سنة.”
ولذلك فقد كثر تردد الأنبياء عليه وصلاتهم فيه منذ القديم، فعن عطاء الخرساني قال :بيت المقدس بنته الأنبياء، ووالله ما فيه موضع شبر إلا وقد سجد فيه نبي! وأثِر مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ومن فضائل المسجد الأقصى: أن الصلاة فيه مضاعفة الأجر بمقدار خمسمائة ضعف، وقيل أكثر من ذلك، فعند البزار بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة”.
ومن فضائله: استحباب شد المطايا والسفر إليه لزيارته حباً له وإكراماً، ففي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى”.
ومن فضائله ما وضع من البركة حوله، تلك البركة التي تمثلت في كثرة الأنبياء الذين أقاموا حوله وماتوا ودفنوا هناك وفي كثرة الأنهار والثمار والخيرات العديدة.
قبة الصخرة
قال شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل الكبرى (2/57-58):
“المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد.. وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب في مقدمته والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد، فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة، لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها، فأمر عمر بإزالة النجاسة عنها، وقال لكعب: أين ترى أن نبني مصلى للمسلمين؟ فقال: خلف الصخرة، فقال: يا بن اليهودية! خالطتك اليهودية، بل أبنيه أمامها فإنّ لنا صدور المساجد.
ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية”. اهـ
والذي بنى على الصخرة قبة هو الوليد بن عبد الملك بن مروان، قال شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل الكبرى (2/58): وأما أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلم يكونوا يعظمون الصخرة فإنها قبلة منسوخة، وإنما يعظمها اليهود وبعض النصارى. اهـ
ولذلك فإنه لا يجوز التمسح بها ولا الطواف حولها، ولا يقال: الصخرة المشرفة، لأنه لا دليل على تشريفها.
وكذلك لا يصح أن النبي عرج به منها، ولا يصح أنها تبعت النبي بعد معراجه، وأن الملائكة مسكتها فبقيت بين السماء والأرض، فإنّ هذا كله من الخرافات التي يتداولها العوام ولم يدل عليها نقل صحيح.
لم يرد نقل صحيح كذلك في إثبات آثار قدمي النبي على هذه الصخرة، وعليه فإن هذه الصخرة كسائر الصخور لا يجوز تعظيمها، وإنما يعظمها اليهود وبعض النصارى.