إن ترخيص وزارة الداخلية في بيع الخمور في الوقت الذي تفيد فيه إحصاءات رسمية أن 65 في المائة من الجرائم يكون سببها الخمر والمخدرات، يعد قتلا لأبنائنا مع سبق الصرار والترصد، خصوصا إذا علمنا أن لجنة حوادث السير قد أعلنت أن السياقة في حالة سكر تحتل الرتبة الثانية في الأسباب المؤدية إلى حوادث سير.
اضطر شرطي مرور بالقرب من السوق الممتاز “كارفور” بمدينة سلا إلى إشهار مسدسه ليحد من هيجان مجموعة من الشبان كانوا في حالة سكر علني، وذلك يوم الأحد 10 ماي الجاري، وأفاد شهود عيان أن هؤلاء الشباب أحدثوا أعمال شغب أدت إلى إصابة عدد منهم بجروح، كما قاموا بترويع الساكنة وتهديد المارة وذلك تحت تأثير كميات الخمور التي اقتنوها من السوق المذكورة مما اضطر مصالح الأمن إلى توفير ثلاث سيارات لاعتقال المشاغبين.
وقفة احتجاجية وجمع للتوقيعات
أحداث الشغب هاته بالإضافة إلى امتعاض المواطنين وانزعاجهم من قرار إدارة السوق تخصيص رواق لترويج الخمور، دفع السكان المجاورين لها إلى إعداد عرائض يطالبون من خلالها السلطات بإقفال الرواق المذكور، نظرا للخطر الذي يمثله بيع الخمور لأبنائهم.
وبعد نشر بعض الصحف الوطنية الخميس المنصرم خبر عزم فعاليات بالمدينة على تنظيم وقفة احتجاجية أمام مدخل السوق يوم السبت 16 ماي 2009، وذلك لاستنكار الترخيص لـ”كارفور” ببيع الخمور وترويجه بين الشباب المسلم، اضطرت إدارة السوق إلى إقفال الجناح الخاص ببيع الخمور وكتابة عبارة “رواق الكحول مغلوق” امتصاصا لغضب المواطنين.(انظر الصورة 1).
ويتساءل المواطنون بمدينة سلا كيف تم الترخيص لبيع الخمور بسوق توجد وسط أحياء شعبية حطمت كل الأرقام في عدد الجرائم حيث تعتبر من النقط السوداء الخطيرة على صعيد المملكة.
كما نتساءل معهم كيف يتم الترخيص في بيع الخمور مع العلم أن كل مستهلكيها من المسلمين؟
ألا يعد ذلك مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية والمذهب المالكي والقانون والعقل؟
أليس مستفزا للمواطنين أن ترخص وزارة الداخلية في بيع الخمور بالمدينة في الوقت الذي أغلقت فيه قبل أقل من تسعة أشهر أربعة دور للقرآن تحيط بالمنطقة التي أنشئت فيها السوق؟ وذلك في مشهد مأساوي لا يمكن أن تنساه الساكنة السلوية ما عاشت.
إن ترخيص وزارة الداخلية في بيع الخمور في الوقت الذي تفيد فيه إحصاءات رسمية أن 65 في المائة من الجرائم يكون سببها الخمر والمخدرات، يعد قتلا لأبنائنا مع سبق الإصرار والترصد، خصوصا إذا علمنا أن لجنة حوادث السير قد أعلنت أن السياقة في حالة السكر تحتل الرتبة الثانية من بين الأسباب المؤدية إلى حوادث السير.
لقد فاق نشاط ترويج الخمور بسلا كل التصورات حيث رأيت بأم عيني بالسوق الممتازة “مترو” عملية تهريب مئات قنينات الجعة في علب مسحوق للغسيل لتباع في الأحياء الشعبية لأبناء المسلمين. (انظر الصورة 2)، ولم يسلم حتى الأطفال من تناول الخمور حيث توفر السوق الممتازة “مرجان” شكلاتة ممزوجة بالخمر. (كما توضح ذلك الصورة رقم 3).
فما هي قصة الخمر في المغرب؟
وما موقف علماء المغرب من ترويجها؟
الخمر خلال حكم الاحتلال
منذ سنة 1913م عملت سلطات الاحتلال الفرنسي على تقنين صناعة الخمور فتوالت من يومها القوانين المتعلقة بضبط تجارتها وما تعلق بها من ضرائب ورسوم ورخص، حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من الاقتصاد المغربي، وقطاعا تستفيد منه فرنسا في سد حاجياتها من الخمور، مما جعلها تنشئ ”مكتبا خاصا للخمر والكحول” في يوليوز 1938م، ليقوم بتنظيم القطاع، وتسهيل الاستثمار فيه.
ومن أجل تطوير القطاع تم بناء مخازن كبرى، فكانت مدينة مكناس ”آيت سوالة” أهم المدن التي ضمت أكبر تلك المخازن، ولعل ما عبر عنه أحد الرهبان في مجلة المغرب الكاثوليكي سنة 1923م يكشف عن قوة هذه الصناعة ويوضح بعض الأهداف التي كانت ولا تزال وراء إدماج صناعة الخمور في المجتمع المغربي المسلم حيث قال:
“الخمر هذا المشروب الرجولي البهيج، سيحل محل الشاي الأخضر بالنعناع المشروب المخنث، وسيصبح مشروبا وطنيا للبربر حينما يتم تنصيرهم” (كفاح المغاربة 1953-1973 عبد الله رشد).
وبالفعل صدق علينا إبليس ظنه، فأصبح ما يستهلك من كميات الخمور أكثر مما يستهلك من كميات الشاي، إذا ما علمنا أن منتوج الشركات المصنعة للخمور في المغرب وصل حسب ”أسوشيتد بريس” ، إلى 35 مليون قنينة خمر خلال سنة 2008 تم تصدير مليوني قنينة منها فقط لأوربا والولايات المتحدة الأميركية، بينما 33 مليون قنينة وجدت طريقها سهلة ميسورة إلى بطون شبابنا المسلم لتجعل من بعضهم سجناء مجرمين، ومن بعضهم الآخر قتلى أو أصحاب عاهات بينما ضحاياهم من المواطنين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالخمر، فيعلم الله كم عددهم.
موقف العلماء المغاربة من الخمر
ما فتئ العلماء ينددون بترويج الخمر وتعاطيها، لكن كل صيحاتهم لم تجد آذانا صاغية نظرا لقوة اللوبي الفرنسي، ولحرص الدولة على مداخيل الرسوم والضرائب التي تجنيها من تجارة الخمور، ففي مؤتمر رابطة علماء المغرب الأول الذي انعقد سنة 1960م استنكر السادة العلماء برئاسة العالم السلفي عبد الله كنون رحمه الله، سماح الدولة برواج الخمور مطالبين بتطهير الاقتصاد المغربي من المتاجرة فيها حيث جاء في توصياتهم مايلي: ” بما أن الخمر داء فتاك بالجسم والعقل الذي شرف الله به الإنسان يهيب العلماء بذوي السلطة أن يقفوا موقف الصرامة من شاربه وبائعه، ويرون أن من العار المزري بالدولة المغربية السماح برواج الخمور في حفلاتها الرسمية داخل المغرب وخارجه، ويلحون على ذوي المسؤولية في هذه البلاد المسلمة أن يعملوا على تطهير الاقتصاد المغربي من المتاجرة في الخمر ومنع رخص إيرادها وتصديرها.
وأمام إصرار السلطات المغربية اضطر العلماء في مؤتمرهم الثاني إلى تأكيد المطالب نفسها، لكن دون جدوى، مما دفع الشيخ عبد الله كنون إلى الرفع من نبرة الخطاب في كلمته التي ألقاها خلال أ شغال المؤتمر الثالث لرابطة العلماء 1968م حيث قال: “..نطالب بعدم بيع المسلمين للخمر، والإبقاء على التشريع القاضي بمنعه لأنه لا هوادة في الشريعة الإسلامية في هذا الحكم، والذي أفتى بجواز ذلك للتنمية الاقتصادية ليس عالما وإنما هو شيطان..”.
ورغم وجاهة مطالب السادة العلماء وموافقتها للشرع والعقل والقانون إلا أنها قوبلت بالتعنت العلماني الشهواني الذي ما زالت تواجه به كل الأصوات المنددة باستمرار الترخيص في بيع الخمور.
فماذا يستفيد المغاربة المساكين من تجارة الخمور غير الجرح والقتل وحوادث السير؟ بينما يكدس المتاجرون فيها على حساب مآسي الشعب الأموال الطائلة التي تعد بالملايير حيث حققت شركة الخمور ”براسري المغرب”، أرباحا قيمتها 33 مليار سنتيم في سنة 2008 بارتفاع طفيف عن سنة 2007 والتي حققت فيها ما قيمته 32,7 مليار سنتيم، وتعمل الشركة لتقوية نتائجها خلال السنة الحالية على الرغم من التأثيرات على المبيعات خلال شهري شعبان ورمضان بالصيف على حد تصريح مسئوليها.
فعن أية تنمية بشرية نتحدث وملايين قنينات الخمر تفسد الأخلاق وتدمر البيوت ؟ وعن أي حكامة جيدة نبحث وآلاف الموظفين من مدمني الخمر؟ ولأي مجالس علمية للعلماء نروج، وقد بُحَّت أصوات العلماء بالمطالبة بمنع بيع الخمور وتعاطيها منذ فجر الاستقلال ولا مجيب؟
إن أي إصلاح لا بد أن يبدأ بإعطاء العلماء مكانتهم في الشأن العام وبامتثال ما يوجبه شرع ربنا، فلقد حكم الله وحكمه الحق عندما قال: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ” الرعد.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم