فكلما دعت مغربية أو مغربي إلى التزام الحجاب وامتثال السنة النبوية في المأكل والملبس أو حذر من تعاطي الربا والخمور إلا وتعرض له العلمانيون بالأكاذيب والضلالات مزورين التاريخ محتجين بالجغرافيا، رافعين عقيرتهم بصوت واحد هذا لباس أفغاني وتلك عادات وهابية، وكأنهم يرضون أن ترتدي البنات والنساء في المغرب الحايك أو النقاب المغربي، أو كأن سراويل “الدجينز” المحجمة المجسمة والألبسة المعروضة في المحلات ذات العلامات التجارية العالمية هي التي تستجيب لمقومات الهوية والتقاليد المغربية.
نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي في عددها رقم 9186 بتاريخ 29 ماي 2009 مقالا حول ملصق وضعه بعض التجار على زجاج محلاتهم في أحد الأسواق المغربية بالدار البيضاء، يبين صفات حجاب المرأة المسلمة ويحذر من بعض المخالفات التي شابت زيّ المرأة الشرعي، وبحسب ما جاء في المقال المذكور فإن هذا الملصق غير معلوم المصدر، وقد وصفته في عنوان مقالتي هذه بـ”معلوم المصدر” لا لأنني أعلم من وضعه أو روجه، ولكن للتنبيه إلى أن المرجعية الشرعية التي استند إليها واضعوه هي ذاتها التي أطرت للباس المغربي منذ دخل الإسلام إلى أقطاره.
ولا أفهم كيف أثار هذا الملصق حفيظة صحفي جريدة الاتحاد الاشتراكي، فسود مقالا كال فيه التهم والأحكام الجاهزة، وعمل من خلاله على مصادرة الحرية التي لطالما ادعت جريدته الدفاع عنها، ومصادرة حق من خالفه الفكر والتوجه، ونعته بحاملِ فكر طالبان الدخيل، المخالف للموروث الثقافي، ولمرجعية وعادات وتقاليد المغاربة.
وجريدة الاتحاد الاشتراكي لها الباع الطويل والصيت الذائع في محاربة كثير من شعائر الإسلام كالحجاب واللحية وغيرهما، ولم تقف يوما ما في صف المدافع عن الثوابت والقيم والأخلاق، بل كانت دائما تسوق لما يناقضهما.
ونحن في هذا المقام لا نود الحديث لا عن حجاب المرأة في طالبان ولا في السعودية ولا إيران، بل سنتحدث عن حجاب المرأة المغربية الأصيل، لأنه كما يبدو أن كويتبنا -ومن تشرب مثله لبن العلمانية- يجهل تمام الجهل أو يتجاهل لأسباب إيديولوجية ما سطره علماؤنا المالكية في هذا المجال، وأن حجاب المرأة الشرعي يجب ألا يصف ولا يشف، وتبصيرا لقرائنا الكرام ولكل من يبحث عن الحقيقة بحياد وإنصاف نذكر بعض ما سطره علماؤنا المالكية في هذا المجال:
قال القرطبي رحمه الله تعالى في المفهم: (لا خلاف في أن المرأة تخرج لما تحتاج إليه من أمورها الجائزة، لكنها تخرج على حال بذاذة وتستر وخشونة ملبس بحيث يستر حجم أعضائها، غير متطيبة ولا متبرجة بزينة ولا رافعة صوتها.
وعلى الجملة فالحال التي يجوز لها الخروج عليه: أن تكون بحيث لا تمتد لها عين ولا تميل إليها نفس، وما أعدم هذه الحال في هذه الأزمان لما يظهرن من الزينة والطيب والتبختر في الملابس الحسان، فمسامحتهن في الخروج على تلك الحال فسوق وعصيان)اهـ.
وقال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: (ولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن).
وهذا النهي للتحريم كما في حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني.
وقال أبو العباس القرطبي في المفهم وقوله صلى الله عليه وسلم: “(ونساء كاسيان عاريات)، قيل في هذا قولان:
أحدهما: أنهن كاسيات بأثواب اللباس الرقاق الرفيعة التي لا تستر منهن معنى حجم العورة، أو تبدي من محاسنها مع وجود الأثواب الساترة عليها ما لا يحل لها أن تبديه كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق.
ثانيهما: أنهن كاسيات من الثياب عاريات من لباس التقوى الذي قال الله تعالى فيه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ}”.
وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: (أي وكره ما يحدد العورة، أي يصف جرمها كالحزام والسراويل والثوب الرقيق الصفيق..) اهـ.
وقال العدوي في شرحه لكلام الخرشي هذا: (“قوله وكره محدد” أي: لبس محدد، وقوله: “أي يصف جرمها” أي: لرقته أو إحاطته بها).
وقال الدسوقي المالكي في الحاشية: (والحاصل أن العلة في كراهة السراويل أمران: التحديد، وكونه ليس من زي السلف).
وقال العدوي في شرحه على كفاية الطالب: (وحاصل كلامه أنه أراد بالذي يصف ما تبدو منه العورة أي يظهر جرمها إذا كانت بارزة كالثديين، وإذا لم تكن بارزة لم يظهر جرمها ما لم يلتصق فيظهر جرمها، وأراد بالذي يشف ما يظهر منه الجرم ولو لم يبرز ولو لم يلتصق، فلم يرد بالذي يصف ما يحدد العورة فقط من كبر أو صغر كما هو متعارف). (انظر كتاب حجاب المرأة في المذهب المالكي للأستاذ مصطفى باحو، منشورات السبيل 7).
فحاصل الشروط التي وضعها علماء المذهب المالكي لا الطالباني ولا الوهابي للحجاب هي:
1- ألا يصف العورة ولا يحددها. كالثياب الحازقة والمُلتصقة.
2- ألا يشف عنها، كلبس الأثواب الرقاق الشفافة.
هذا ما نص عليه فقهاء المالكية وكافة فقهاء المذاهب الأخرى، فمن أين للكويتب اليساري الادعاء أن هذا اللباس الذي نص عليه علماؤنا المالكية بهذه الضوابط والشروط مخالف للموروث الثقافي، وللمرجعية وعادات وتقاليد المغاربة؟
وليطمئن قلب الكويتب أكثر ننصحه بزيارة المناطق الجنوبية كتافلالت وغيرها، التي ما زال نساؤها يتمسكن بالحجاب المغربي الشرعي، كالحايك والنقاب..، وليوطن نفسه إن عزم على ذلك فقد يخيل إليه أنه بنجد أو نجران.
وهنا يحق لنا أن نتساءل لماذا لم تثر صور الغربيات العاريات أو الشرقيات المتهتكات المنتشرة في المحلات والأسواق والجرائد والمجلات حفيظة كويتب اليسار وأثارته صورة امرأة محجبة؟
فكلما دعت مغربية أو مغربي إلى التزام الحجاب وامتثال السنة النبوية في المأكل والملبس أو حذر من تعاطي الربا والخمور إلا وتعرض له العلمانيون بالأكاذيب والضلالات مزورين التاريخ محتجين بالجغرافيا، رافعين عقيرتهم بصوت واحد هذا لباس أفغاني وتلك عادات وهابية، وكأنهم يرضون أن ترتدي البنات والنساء في المغرب الحايك أو النقاب المغربي، أو كأن سراويل “الدجينز” المحجمة المجسمة والألبسة المعروضة في المحلات ذات العلامات التجارية العالمية هي التي تستجيب لمقومات الهوية والتقاليد المغربية.
هذا مع العلم أن العري الذي انتشر في الشوارع والطرقات والجرائد والمجلات مناقض للدين ومخالف للقانون.