تسلية وترويح

أدخلوا أشعب يصلي بهم
عن المدائني، قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبد الله الحارثي، فجاءوا بمضيرة، فقال أشعب لخباز: ضعها بين يدي، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلي بأهل السجن؟ قال: ليس لهم إمام، قال: أدخلوا أشعب يصلي بهم، قال أشعب: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ قال: وما هو؟ قال: أحلف ألا آكل مضيرة أبداً.
أطمع من أشعب
مر أشعب بمكتب وغلام يقرأ على الأستاذ: “إن أبي يدعوك”، فقال: قم بين يدي حفظك الله وحفظ أباك، فقال: إنما كنت أقرأ وردي، فقال: أنكرت أن تفلح أو يفلح أبوك! وقيل: لم يكن أطمع من أشعب إلا كلبه، رأى صورة القمر في البئر فظنه رغيفاً، فألقى نفسه في البئر يطلبه، فمات.
الحاجة إليك وإلى أمثالك
ومن اللطائف ما حكاه الأصمعي قال: مررت بكناس يكنس كنيفا، وهو يغني ويقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا *** ليوم كريهةٍ وسداد ثغر
فقلت له: أما سداد الثغر فلا علم لنا كيف أنت فيه، وأما سداد الكُنُف فمعلوم.
قال الأصمعي: وكنت حديث السن فأردت العبث به فأعرض عني مليا، ثم أقبل عليّ وأنشد:
وأكرمُ نفسي إنني إن أهنتها *** وحقك لم تُكرمْ على أحدٍ بعدي
فقلت: وأي كرامة حصلت لها منك، وما يكون من الهوان أكثر مما أهنتها به؟!
فقال: لا والله بل من الهوان ما هو أكثر وأعظم مما أنا فيه، فقلت له: وما هو؟
فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك. قال: فانصرفت وأنا أخزى الناس . ثمرات الأوراق لابن حجة ص: 38.
لو كنتَ تعلم ما أقـولُ عذرتني
وروي أن الخليل بن أحمد كان يقطع بيتا من الشعر، فدخل عليه ولده في تلك الحالة، فخرج إلى الناس، وقال: إن أبي قد جن، فدخل الناس عليه، وهو يقطع البيت، فأخبروه بما قال ابنه، فقال له:
لو كنتَ تعلم ما أقـولُ عذرتني *** أو كنتَ تعلم ما تقولُ عذلتكا
لكن جهـلتَ مقــالتي فعذلتــني *** وعلــمتُ أنك جاهل فعذرتكا
معجم الأدباء لياقوت 3/302
حكم ومواعظ
إذا كنت في نعمة فارعها
إذا كـــــنت في نعــمـة فارعها *** فــــإن الذنـــوب تزيل النــــعم
وخطــــها بطـــاعة رب العباد *** فــــرب العباد ســــريع النـــقم
وإيــاك والظلم مهما استطعت *** فظــــلم العبـــاد شـــــديد الوحم
وســـافر بقلـــبك بيــن الورى *** لتبصــــر آثار مــن قــد ظلـــم
فتـــــــلك مســــاكنهم بعــدهم *** شهـــود عليـــــهم ولاتـــــتــهم
وما كان شـيء عليهـــم أضر *** من الظلم وهو الذي قد تصـــم
فكم تــركوا من جـنــان ومن *** قــصـــور وأخرى عليهم أطم
صلوا بالجحيـم وفــات النعم *** وكـــان الـــذي نالهــم كــالحلم
قال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفوس عن الحرام، وسخاؤها بما ملكتْ من الخاصِّ والعامِّ، وجميع خصال الخير وفروعه.
قيل في منثور الْحِكَمِ: الْجُودُ عن موجودٍ.
قيل في الْمَثْلِ: سُؤْدُدٌ بِلاَ جُودٍ، كَمَلِكٍ بلا جنودٍ.
قال بعض الحكماء: الْجُودُ حارس الأعراض.
قيل: الوفاء ملازمة طريق المواساة، وَمَحَافِظُ عُهُودِ الْخُلْطَةِ.
قال بعضهم: الزهد هو طلب الحلال.
قال بعض البلغاء: إنَّ العدل ميزان اللَّه الذي وضعه للخلق، ونصبه للحقِّ، فلا تُخَالِفْهُ في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه، وَاسْتَعِنْ على العدل بِخلَّتَيْنِ: قلَّة الطَّمع، وَكَثْرَة الْوَرَعِ.
قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين بن الصلاح الشافعي: العدل تَحْصِيلُ منفعته وَدَفْعُ مَضَرَّتِهِ، وعند الاجتماع يُقَدَّمُ أَرْجَحُهُمَا؛ لتحصيل أعظم المصلحتين بِتَفْوِيتِ أدناهما، وَدَفْعِ أعظم الْمَفْسَدَتَيْنِ باحتمال أدناهما.
قال بعض الحكماء: ليست العزَّة حُسْنَ الْبِزَّةِ.
حسن الخلق
أوصى رجل أخر وأراد سفرا فقال: آثر بعملك معاذك، ولاتدع لشهوتك رشادك؛ وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الردى؛ ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم؛ فإنك تبر بذلك سلفك، وتشيد شرفك.
التقوى ثلاث مراتب
التقوى ثلاث مراتب: إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.
الثانية: حميتها عن المكروهات.
الثالثة: الحمية عن الفضول ومالا يعني.
فالأولى تعطي العبد حياته، والثانية تفيده في صحته وقوته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته.
قال ابن القيم: لما جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *