الخشوع روح الصلاة ومقصودها الأعظم

الخشوع في الصلاة هو حضور القلب فيها بين يدي الله تعالى محبة له وإجلالاً وخوفًا من عقابه ورغبة في ثوابه، واستحضرًا لقربه، فيسكن لذلك قلب العبد وتطمئن نفسه وتهدب حركاته، ويستحضر جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أولها إلى آخرها، فتزول بذلك الوساوس والأفكار.

والخشوع هو روح الصلاة والمقصود الأعظم منها فصلاة بلا خشوع كبدن ميت لا روح فيه.
وأصل الخشوع خشوع القلب الذي هو ملك الأعضاء، فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها، ولما رأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته، قال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه (شرح السنة).
وجلا الإمام ابن القيّم رحمه الله في كتابه (الوابل الصيب من الكلم الطيب) مراتب الناس في الصلاة وحال خشوعهم فيها، وجعلهم في خمسة مراتب:
إحداها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيَّع مجاهدة نفسه بالوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار فهو مشغول في مجاهدة عدوه لئلا يسرق من صلاته فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها لئلا يضيع منها شيء بل همّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه سبحانه وتعالى ناظرًا بقلبه إليه مراقبًا له ممتلئًا من محبته وتعظيمه كأنه يراه ويشاهده فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض.
فالقسم الأول: معاقب، والثاني: محاسب، والثالث: مُكَّفر عنه. والرابع: مثاب. والخامس: مقرَّب من ربه لأن له نصيبًا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فاستراح بها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرحنا يا بلال بالصلاة» [زاد المعاد]، ويقول: «جعلت قرة عيني في الصلاة» [صحيح الجامع 3098]، ومن قرَّت عينه بالله قرَّت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلب قد قهرته الشهوة وأسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدًا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار. اهـ.
لقد بين العلماء أن المصلي يحتاج إلى أربع خصال حتى ترفع صلاته وهي: “حضور قلب، وشهود عقل، وخضوع أركان، وخشوع الجوارح”.
فمن صلى بلا حضور قلب فهو مصلٍ لاهٍ، ومن صلى بلا شهود عقل، فهو مصلٍ ساهٍ، ومن صلى بلا خضوع الأركان فهو مصلٍ جافٍ، ومن صلى بلا خشوع الجوارح، فهو مصلٍ خاطئ، ومن صلى بهذه الأركان فهو مصلٍ وافٍ.
فحري بكل مسلم أن يمتثل هذه خصال ويسعى إلى تحقيقها حتى ترفع صلاته وتقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *