من فقه البيوع النوع الثالث من فقه البيوع المحرمة بيوع الربا (الحلقة التسعة عشرة) نبذة عن سوق الأوراق المالية (البورصة) وأحكامها تتمة

 

الأحكام الشرعية لعقود البورصة
لما كانت عقود البورصة متنوعة على النحو الذي ذكرناه، فإنه لا يمكن إعطاء حكم شرعي واحد عام بشأنها، بل لابد من التفصيل وبيان حكم كل عقد على حدة.
ولقد كان تفصيل الأمر، وإعطاء كل نوع حكمه هو الذي انتهى إليه المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته السابعة المنعقدة عام 1404هـ بمكة المكرمة، فنص على ما يلي:
أولا: أن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعا وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار، ولا يعرفون المحتاج إلى البيع ومن هو محتاج إلى الشراء.
ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعا، والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها، بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها كل واحدة منها على حدة.
ثانيا: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجرى فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعا هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودا على محرم شرعا، أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.
ثالثا: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعا، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعا كشركات البنوك الربوية وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعا وشراء.
رابعا: أن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة بمختلف أنواعها غير جائزة شرعا، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.
خامسا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعا لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك، اعتمادا على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد، وهذا منهي عنه شرعا لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تبع ما ليس عندك”، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم”.
سادسا: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
أ- في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية، بينما أن الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.
ب- في السوق المالية (البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول، وقبل أن يحوزها المشتري الأول، عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.
ثم وصّى المجمّع المسؤولين في البلاد الإسلامية بمراقبة أسواق البورصة وتنظيمها وفق الطرق المشروعة، ومنع العقود غير الجائزة ليحولوا دون التلاعب الذي يجر إلى الكوارث المالية ويخرب الاقتصاد العام ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة.

والله الموفق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *