من المسؤول عن تفشي “الإرهاب” في العالم؟؟ حمّاد القباج

بغض النظر عن الالتباس الذي يحيط بمفهوم كلمة الإرهاب من حيث استعمالاتها المعاصرة، وكونها أضحت ألعوبة في يد بعض المتنفذين الطغاة الذين يوظفونها في سبيل تسويغ الظلم والطغيان، وتمرير مشاريع الهيمنة وفرض القناعات..

أود في هذه المقالة أن أسهم في الكشف عن بعض الأسباب الحقيقية لانتشار الفكر الإرهابي وممارساته التخريبية، والتي ترجع في نظري إلى سببين رئيسيين:
1 تواطؤ الغرب على حرمان الأمة من شريعتها والسطو على خيراتها:
ولعل الدول الغربية (العظمى) التي تتباكى من تفجيرات متناثرة؛ تستحضر التفجير الأعظم الذي هزت به كيان الأمة ومزقت به أوصالها وشتتت أشلاءها؛ بدءا بالتخطيط الرهيب لإسقاط الخلافة، التي ألغيت في (27 رجب 1342هـ/ 1924)، والتخطيط لتقسيم بلاد المسلمين إلى مناطق نفوذ وانتدابات ومحميات ومستعمرات ومستوطنات (اتفاقية سايكس بيكو عام 1916)، ثم تطبيقها لبنود تلك الاتفاقية، واستعمارها الوحشي لمعظم الدول الإسلامية الذي سالت بسببه أودية من الدماء، وانتهبت الخيرات وسرقت الثروات بنَهَم وشراسة لا نظير لهما، وما صاحَب تلك الحرب الحسية من حرب معنوية فكرية تزعمتها الحركات الاستشراقية، وجعلت أهم أهدافها تكوين عملاء عبر الابتعاث، وتأسيس مدارس استغرابية، وإقامة مشروع إعلامي لتشكيك الأمة في دينها وحملها على الإخلال بثوابتها؛ حتى أعدوا دعاة على أبواب جهنم من مفكرين وسياسيين وكتاب، لمّعوا أكثرهم اجتهادا في إضلال الأمة، ومنحوهم الجوائز وكل أشكال الدعم..
ثم توج الغرب ذلك كله ببادرة الإنجليزي (آرثر بلفور) الذي كشف بوعده الشهير عن الوقف الأثيم الذي أوقفه الغرب ليكون منبعا مستمرا لإمداده بوسائل الضغط على الأمة وإخضاعها؛ إنها الدولة العبرية الصهيونية التي زرعوها في جسد الأمة لتكون عصا تعلو رأس من يفكر في التحرر من الرق، وسَوطا يُجلد به من يولي الغرب ظهره..
وها هي ذي أمريكا تصول وتجول؛ وتفرض على دول الأمة ما تشاء سياسيا وقانونيا وثقافيا واقتصاديا، بل وعسكريا؛ ولا ينبغي أن نجهل ولا أن ننسى أن الذي أجج نار الفتنة واستفز بعض حملة فكر التفجير؛ إنما هو عدوان أمريكا على العراق وتخطيطها لإخضاع تلك المنطقة بعد أن خلع صدام يد الطاعة، ورفض المضي في التمكين لأسياده بالأمس؛ فكانت حرب الخليج الثانية عام (1991)، وما تقدمها من خلفيات وما ترتب عليها من تبعات؛ من أهمها تبلور مشروع بن لادن ضد أمريكا وحلفائها، وإعلانه الحرب عليها في أواخر التسعينيات (ينظر كتابه: إعلان الجهاد على الأمريكيين المحتلين لبلاد الحرمين).
وبهذا يظهر أن الغرب هو المسؤول الأول والأكبر عما يسمى الآن بـ”الإرهاب”، وكان الأجدر به أن يعترف بهذه الحقيقة بدل أن يتوجه بالتهمة إلى السلفية التي تمثل المنهج الذي يضمن استمرار الإسلام الصحيح بشهادة المستشرقين أنفسهم.
إن علماء السلفية وقفوا في وجه العدوان الغربي، وفي وجه ردود الأفعال الطائشة ضده، على حد سواء؛ ومواقفهم في جهاد المستعمر معروفة، ومشروعهم الدعوي العظيم لإصلاح وتقويم الأمة ومواجهة الغزو الفكري أمر معروف أيضا، كما أن موقفهم في ضبط الحماسات والعواطف مشهور؛ ولقد بذلوا جهودا جبارة في نصح بن لادن وأتباعه وأضرابه، وبينوا له انحراف منهجه وسوء عاقبة طريقته حتى اتهمهم وغيره بالعمالة والمداهنة والجهل بفقه الواقع.
وقد صرح أسامة بن لادن بأن العلماء خونة، وأنهم داهنوا حين جوزوا الاستعانة بأمريكا لدفع عدوان صدام، وقال: “تحرير جزيرة العرب من المشركين فرض عين”، وزكى تفجيرات السعودية وتانزانيا وأمريكا، وناقش السلفيين في تحريمها..
قال الشيخ ابن باز: “إن أسامة بن لادن من المفسدين في الأرض، ويتحرى طرق الشر الفاسدة”اهـ
وقال الشيخ مقبل الوادعي: “أبرأ إلى الله من ابن لادن، فهو شؤم وبلاء على الأمة، وأعماله شر…”اهـ.
فهل يصح بعد هذا اتهام السلفية بالمسؤولية المعنوية عن تفشي الإرهاب؟

2 فكر سيد قطب واستمرارية الخوارج في الأمة:
من الحقائق الثابتة بالخبر النبوي المعصوم أن فكر الخوارج سيستمر في الأمة إلى قرب قيام الساعة:
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع حتى يخرج في عِراضهم الدجال”( ).
ولقد كانت دعوة سيد قطب حلقة في هذه السلسلة المنحرفة.
لم يكن سيد قطب رحمه الله عالما أو داعية تلقى تكوينا شرعيا يجعله من عداد الدعاة المؤهلين؛ وإنما كان كاتبا ذا غيرة شديدة على الإسلام وإعجاب كبير بنظامه الكامل المعجز الذي يضمن العدل والخير والرحمة للبشرية.
وكان يرى أن البشرية هوت إلى درك سحيق حين غُيِّبت شريعة الإسلام عن توجيهها، وأُحِلت مكانها عصبة ظالمة طاغية تحت نفوذ ثلة صهيونية حاقدة، تريد الشر والشقاء للعالم، وتخفي إرادتها بشعارات السلام والأمن والأخوة الإنسانية.
.. وفي هذا السياق كتب كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام”، وقد أعجب به ضباط الثورة آنذاك وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، الذي كان يعتبر “سيدا” المرجع الفكري لحركة الثورة.
وفي عام 1946م سافر قطب إلى أمريكا في بعثة تعليمية؛ فتأمل نمط الحياة ثمّة، وعبّر عن استياءه منه، وانتقد الفلسفة التي تؤطره، القائمة على مبدأ الحرية اللامسؤولة والإفراط في الماديات والشهوات، مع التفريط الشديد في الجانب الروحي للإنسان.
ثم شرع في التعبير عن تصوره بكتابات توّجَها بكتابه “معالم في الطريق” الذي ألفه عام 1964م، وبث فيه كلامه المعروف عن الحاكمية والجاهلية والعصبة المؤمنة، وانتشر هذا الكتاب في صفوف الإخوان المسلمين وتأثر به بعضهم، فشكلوا تنظيمات سرية كانت النواة الأولى لخروجهم على مجتمعهم.
فواجهتهم الدولة بحملات اعتقال وتعذيب، فأمرهم قطب بالخروج بالسلاح لمواجهة النظام، ثم تراجع بعضهم..
وقد كان مرشدهم العام حسن الهضيبي قد أقر بصحة ما في كتاب المعالم، ثم تراجع لما رأى آثاره الخطيرة، فألف كتابه “دعاة لا قضاة” بيّن فيه أن الحاكمية ليس لفظا قرآنيا، وأن انتشار الفجور لا يعني كفر المجتمع، ودعا إلى التمسك بعقيدة أهل السنة والجماعة في عدم تكفير المسلم بأي عمل.
وهكذا حاول الرجوع بالتنظيم إلى فكرة حسن البنا المتمثلة في أن المجتمع مسلم لكن يحتاج إلى إصلاح بخلاف قطب الذي حكم بكفر وجاهلية المجتمعات.
كما تأثر بفكر قطب؛ تلميذه: شكري مصطفى مؤسس جماعة “التكفير والهجرة”، وكان مهندسا بيطريا سطحي المعرفة بالدين، وقد أدخل السجن عام 1965 لما كان يجمع التبرعات لسيد قطب.
ثم جاء “تنظيم الجهاد الإسلامي” بزعامة أيمن الظواهري .. إلـخ.
وإذا كانت جماعة الإخوان قد رجعت عن خطئها، ووقعت في خطأ آخر وهو الدخول في اللعبة السياسية؛ فإن فئات من المسلمين بقوا على تأثرهم بفكر سيد قطب الذي انتشرت كتبه وأفكاره بشكل واسع.
وكان السلفيون أول من تفطن لخطورتها، وأصدروا عشرات المقالات والمؤلفات والمحاضرات في التحذير منها؛ قال الدكتور محمد المغراوي عن سيد قطب: “هو أحد المنحرفين الذين خرجتهم مدرسة الإخوان المسلمين ما بين داعية إلى التصوف وإلى رد السنن وما بين داعية الشرك والضلال وما بين داعية إلى تكفير المسلمين وما بين داعية إلى التقريب بين الكفر والإسلام وما بين داعية إلى التقريب بين الرفض والسنة”اهـ
لعل في ما تقدم ما يكفي لتوضيح الأسباب الحقيقية لانتشار الإرهاب في العالم، وإثبات أن السلفية من خلال حمَلتها من العلماء الربانيين والدعاة الغيورين؛ قد وقفت وقفة شرعية صارمة في وجه الممارسات الإرهابية والفكر المولد لها، ولكن عين السخط تبدي المساويا، وقد رمتني بدائها وانسلت..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *