كارل ماركس “لا دين لا رسالات لا أخلاق”

تكلمنا فيما سلف من المقالات عن النظرية الداروينية وكيف زعزعت الفكر الأوربي؛ واليوم نعرض كيف استغل اليهود هذه النظرية المنحرفة للقضاء على كل ما له صلة بالدين وعلمنة أوروبا.
إن اليهود الذين حاولوا منح هذه النظرية حقيقة علمية -تلبس على الجماهير الحق- هم الثالوث: ماركس وفرويد ودركايم.
كارل ماركس والمذهب الشيوعي:
فأما ماركس فقد كان ميدان بحثه علم الاقتصاد، ولكنه لم يقصر بحثه على دراسات أكاديمية في علم الاقتصاد، وإنما وضع مذهباً كاملاً، يتناول تصوراً كاملاً للحياة من زاوية معينة، يتمثل فيها الإيحاءان الداروينيان متصلين متصاحبين.
فهو قد وطد أركان التفسير المادي للتاريخ، وهو تفسير يجعل القوى المادية السلطان الأكبر على نشاط الإنسان كله، كما يجعل هذا النشاط مادياً بصفة أساسية، ومنبعثاً عن الكيان الحيواني للإنسان.
يقول ماركس: (في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محدودة لا غنى لهم عنها، وهي مستقلة عن إرادتهم، فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يحدد صورة العمليات الاجتماعية والسياسية والمعنوية في الحياة، ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم، بل إن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم).
ويقول ماركس: (ترتبط العلاقات الاجتماعية وتتعلق بالقوى الإنتاجية، ولدى تحقيقنا لقوى إنتاجية جديدة يغير الناس نوع الإنتاج، وعند تغييرهم لنوع إنتاجهم، وعند تغيير طريقة كسبهم لمعيشتهم؛ فإنهم يغيرون كل العلاقات الاجتماعية).
تبدأ النظرية المادية من المبدأ الآتي: وهو أن الإنتاج وما يصاحبه من تبادل المنتجات هو الأساس الذي يقوم عليه كل نظام اجتماعي، فحسب هذه النظرية تجد أن الأسباب النهائية لكافة التغيرات أو التحولات الأساسية لا يجوز البحث عنها في عقول الناس، أو في سعيهم وراء الحق والعدل الأزليين، وإنما في التغيرات التي تطرأ على أسلوب الإنتاج والتبادل.
وحينما نرسم دستوراً للحياة البشرية، فهو محصور في نطاق المأكل والمسكن والإشباع الجنسي.
والرسالات السماوية -حسب النظرية المادية- بادئ ذي بدء وهم من أكبر أوهام البشرية، وفي ظل التفسير المادي للتاريخ لا يوجد الله، ولا والوحي، ولا الرسالات؛ -تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا-.
والدين ثانياً أفيون الشعوب شيء ابتدعه الإقطاعيون لتخدير العبيد والطبقة الكادحة عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة، وإغرائهم بالصبر على سوء أحوالهم والرضى بها طمعًا في الجنة في الآخرة، مما ييسر لهؤلاء الإقطاعيين أن يستمتعوا بالثروات المغتصبة وهم آمنون.
والقيم ثالثاً -ومن بينهما القيم الخلقية- إنما هي مجرد انعكاس للوضع الاقتصادي، ومن ثم ليس لها وجود أصيل في الحياة البشرية، فضلاً عن كونها غير ثابتة، فهي متطورة بحسب التطور الاقتصادي الذي تمر به البشرية، ولما كانت الأطوار الاقتصادية للبشرية حتمية ومتعاقبة، فالقيم الخلقية تأخذ أوضاعًا متطورة، وهي حتمية التطور مع تطور أوضاع البشرية.
وإلى هنا يتضح المقصود من النظرية في أوضح صورة:
أولا: لا دين: فالدين أسطورة ابتدعها أصحاب المصالح هنا في الأرض، ولا علاقة له بالسماء، ولا رصيد له من الحقيقة.
وثانيًا: لا قيم ولا أخلاق: فالقيم ليس لها وجود ذاتي، إنما هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية، وليس لها ثبات لأن مصدرها -وهو الأوضاع الاقتصادية- دائم التغير، ثم هي حتمية التطور فلا يمكن الإمساك بها على وضع معين مهما حاول المحاولون من العلماء أو المفكرين.
وكانت تلك النقطة هي التحرير لربقة التقاليد والعادات التي جاء بها الشاب والفتاة من المجتمع الزراعي، وكانت بمثابة المانع من الانحلال الأخلاقي.
أما الآن، إن كان المجتمع هو الذي يفرض الأخلاق؛ فأي انحلال خلقي لا يسمَّى انحلالا، بل يمسى تطورًا طبيعيًا يفرضه المجتمع الجديد، وكل من يريد أن يتمسك بقيم المجتمع الزراعي فهو رجعي لا يفهم شيئًا.
وهكذا حررت الفكرة الماركسية رباط الأخلاق والعادات والتقاليد عند المجتمع الصناعي الأوروبي، وكانت المبرر الذي أطلق كل الرغبات المكبوتة عند من عاش في المجتمع الصناعي ولم يكن متأقلمًا بسبب التمسك بقيم المجتمع الزراعي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن ماركس لم يكن وحده، بل لم يكن أول من يطرح الشيوعية كمنهج تطبيقي يتناسب مع الواقع الصناعي الجديد وإن كان أول من قدم اشتراكية علمية على مر التاريخ.
ومما يجدر التنبيه إليه أيضًا أن الشيوعية -فكرة وحركة- لم تكن لتحظى بالقبول مع تطرفها إزاء الدين والخلق ومصادمتها للفطرة، لولا الجو الأوروبي المشحون بالضيق والتبرم من الكنيسة والطائفة الكهنوتية العليا، تلك التي أضافت إلى الطغيان والتحكم وقوفاً مستمراً مع الاستغلاليين والمحتكرين ضد البائسين، ومع الخرافات والأساطير ضد العلم والرقي المادي، واستطاعت الشيوعية استغلال الغضبة الهائجة والنفاذ إلى عقول السذج، فوجهت العداوة العارمة على الكنيسة إلى ثورة هوجاء على الدين ذاته.
ولكن يبقى هناك دورًا أساسيًا لتحرير فكرة الأخلاق نهائيًا من أذهان الناس، وكان الدور في ذلك الأمر على فرويد.
وهذا ما سنناقشه بإذن الله في المقال القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *