وقفات مع كتاب التعالم تعالم بعض المتنسبين لخدمة السنة المشرفة إعداد: عابد عبد المنعم

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى متمِّما بيان تعالم بعض المنتسبين لخدمة السنة المشرفة وأنواعه المتعددة:
ومنها أفاعيل أغيلمة أخذوا يقهقهون على كراسي التعليم بغرائب يبدونها أو يبتدؤون اختراعها؛ فشغلوا أهل العلم بصدها وافتراعها. امتطوا بيداء(1) الكذب وهي قاع صفصف(2) لا تنتهي أطرافها وسالكها لايبرح مكانه؛ ظن المسكين أنه قد ركب نفسه فسارت به إلى ساحة العلم ورياضه؛ لكن واقع حاله أن نفسه قد ركتبته ونازعته؛ فكلما أراد أن يسير إلى الأمام خطوة جرته إلى الوراء خطوات؛ فأضحى في رائعة النهار عريا عن الفضائل واضمحل بين الملأ كضرطة عير في العراء؟
إذ يعيش لهذا الضرب الهابط إلى الدركات حملة الشعاع الهابط من فوق سبع سماوات، فما من فرية يقوم متعالم باختراعها إلا ويبتدرها عالم لافتراعها(3) فتتهاوى أسماؤهم أفق الواقع ضحايا لأهل السنة. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وقد سمعنا بهذا عجائب يستحيا من ذكرها، منها أن معلما دهش الطلاب بعجيب استحضاره لرواة السنن ومخرجيها؟ فكان يقول هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا من الصحابة رضوان الله عليهم فيذكُرهم، وأخرجه فلان وفلان.
وكانوا لا يوثِّقون قوله، استعظاما أن يختلق معمم، وذكروا لي ذلك على سبيل الإعجاب به، فأرشدتهم إلى التوثيق ففعلوا، فافتضح وتلاشى درسه حتى ضاق به معقل العلم فهرب، فأين هؤلاء الكذبة المتشبعين بما لم يعطوا من هدي السلف رضي الله عنهم في أمانتهم وتحريهم؟
وقد أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) وابن نصر المروزي في (تعظيم قدر الصلاة) بسندها إلى ميمون بن أبي شبيب المتوفي سنة 183هـ قال:
وأردت مرة أن أكتب كتابا فذكرت كلمة إن كتبتها زينت كتابي وأكون قد كذبت؛ وإن تركتها قبحت كتابي وأكون قد صدقت؛ فأجمعت على تركها فنوديت من جانب البيت يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت.. الآية، اهـ.
ومن أنواع زغلهم(4) في التحقيق، وهو مبحث نفيس قل من لحظه من المتأخرين فوقعوا في التوهيم وهو الواهمون.
ذلك أن كتب السنة المشرفة في بعض نسخها اختلاف، لاختلاف رواتها، فقد يكون الخلاف في باب بأكمله، أو حديث أو في لفظ منه، وهكذا.
كما في روايات الموطأ ومجموع رواياته نحو من العشرين، تجد الحديث عنها مبسوطا في مقدمة (أوجز المسالك؛ ص49-59).
وروايات البخاري، وقد حرر الخلاف أيما تحرير شيخ هذه الصناعة وإمام الجماعة: الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري ومقدمته (هدي الساري).
ولهذا فأن القسطلاني في شرحه (إرشاد الساري) قد امتاز بأنه وضع شرحه على نسخة (اليونيني) المتوفى 701هـ رحمه الله تعالى والتي قابلها على عدة نسخ وبين الفروق بينها.
وهكذا في بقية كتب السنن، وقد بين رواتها ابن نقطة المتوفي سنة 909هـ رحمه الله تعالى.
وقد وقع أقوام في أغاليط نتجت من غفلتهم عن هذا.
فمثلا يعزو إمام مطلع: الحديث إلى سنن أبي داود المطبوعة وهي من رواية “اللؤلؤي” فيقيد سطور التوهيم حينما لا يجد الحديث فيها ، وهو الواهم؛ هكذا.
ومنها أن الحديث قد يكون في زُويَّة من صحيح البخاري، أو صحيح مسلم أو غيرهما رحم الله الجميع؛ فينتزعه عالم في كتبه فيأتي متفاصح بالتحقيق فيرجع إلى مظنته من صحيح البخاري فلا يجده فيتدارك على المؤلف بالتوهيم، بل قد يكون في مظنته، لكن لجهله، وليشفي غلته المشحونة بسوء معتقده يثلب(5) بالتوهيم والتعقيب الكاذب وهكذا.
مالنا ولهؤلاء شغلونا برخيص علمهم (إن البغاث(6) بأرضنا يستنسر).
وهنا أقول وبكل وضوح: إن هؤلاء وأمثالهم كثير، ينطوون على طرق ومشارب يرفضها الإسلام؛ وإن في جوانبهم رماة وهم يثقفون(7) لهم الرماح؛ ونحن الهدف. فهل من متيقظ متجرد من حظوظ النفس، يزكي معاقل العلم منهم قبل أن يدب فيها الداء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- بيداء: صحراء.
2- صفصف: الصفصف المستوي من الأرض فلا نبات له.
3- افتراعها: ابتداؤها والمقصود الشروع في إبطالها.
4- زغلهم: غشهم.
5- يثلب: ثلبه أي تنقصه وعابه.
6- البغاث: طائر صغير في بقع بيض وسود.
7- يثقفون لهم الرماح: يقوِّمون اعوجاجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *