الله لا يحب المفسدين لذلك لا يمكن لهم في الأرض ولا يحقق من مبتغاهم إلا بقدر ما يستدرجهم من حيث لا يعلمون؛ ويذرهم في طغيانهم يعمهون، لذا فرمضان شوكة في حلوقهم، مع كل قدوم له تكاد عقولهم تطيش حنقا وبغضا لأنه زمن تنزل الرحمات الإلهية والنسمات الربانية، ومناسبة الأوبة والتوبة لكثير من عباد الله من كثير من المعاصي والموبقات؛ والإقبال على الله بشكل مكثف يدل على مدى التشبث بالإسلام دينا لا يحيد عنه المغاربة رغم ما يكاد لهم وما يحال به بينهم وبينه، ويجد أنصار الحداثة العفنة ودعاة فصل المسلمين عن دينهم غصة وهم يرون هذا الإقبال المنقطع النظير على بيوت الله وكتاب الله وذكر الله والانخراط في رحلة روحانية جماعية لا يشذ عنها إلا من غلفت قلوبهم بالمعاصي وخبثت نفوسهم حتى لم تعد في حاجة لغواية الشياطين التي يقيدها الله في هذا الشهر الكريم.
إن امتلاء المساجد فوق درجة الاستيعاب والجماهير التي تحج في منظر رهيب وفي تحرك انسيابي نحو المساجد من كل الأزقة والدروب ومن كل الأجناس والأعمار والأشكال، بصورة تهز الكيان وتحرك الجنان وتقشعر له الأبدان؛ لأمر يملأ القلب سعادة ويزيل عنه غمة؛ ما نراه من مظاهر تكدر صفو هذا الشهر الكريم وسحب غير روحانية تخيم على أجوائه النقية، أما أهل الفساد والزيغ فواحسرتهم وهم يرون هذه المشاهد المحيرة والتي تقلب مواجعهم ويتحسرون على جهودهم المضنية التي يبذلونها طلية العام ولأعوام من أجل أن يحولوا بين الشعب ودينه وأخلاقه وقيمه ليأتيهم رمضان ضاربا بكل جهودهم عرض الحائط فيثورون بشكل هستيري وينادون بمنع الناس من الصلاة في الأزقة والشوارع بدعوى عرقلة السير، ومنع المكبرات الصوتية بدعوى الضجيج وإرغام الناس على استماع ما لا يريدون، وقد حملت صحفهم ومقالاتهم من هذا الحقد شيئا كثيرا، وكأن هؤلاء الناس الذين يحجون من أماكن بعيدة يصلون أينما تيسر تواضعا وتذللا لله الواحد القهار، والذين يفرحون وهم يقدمون الدعم لضيوف الرحمان فُرشا وسقاية وعناية وهم على أبواب بيوتهم قد اشتكوا إلى هؤلاء الذين لا يرون ذلك في المهرجانات الفاحشة والتي تبقى لوقت متأخر من الليل حيث تمنع الطرقات ويؤذى الناس حقيقة لا توهما.
ويخرج بضعة رهط من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ليدعوا إلى الإفطار نهارا فلا يلقون إلا التهميش والتبكيت والإقصاء من المجتمع الذي يعيش أقوى لحظات الاتصال بالله فيلجأوا إلى الإعلام ليحدثوا زوبعة في فنجان؛ ومن وراءهم أعداء الملة الذين يتأسفون ويتألمون لما يرون من حقيقة المجتمع الذي لو توفرت له الظروف المناسبة لكان مجتمعا ربانيا يعيش أحسن لحظات الحياة وإن لم يمتلك أقوى التقنيات.
مما يدفع إلى السؤال ماذا لو وجد هؤلاء إعلاما دينيا مؤسسا على السنة والتوحيد النقي بعيدا عن الخرافات والترهات والبدع والضلالات، وتعليما يهتم بالقيم والأخلاق الإسلامية، وسياسة ترفيهية نقية، وتوجها اجتماعيا واقتصاديا مبنيا على تعاليم الإيمان ورضى الرحمان؟! كيف سيكون الحال إذن وقد أثبت رمضان أن الأفراد هم تبع لحال الواقع والمجتمع الذي لو تبنى الخير لعاش خيّرا، ولو سرى فيه الشر لانعدم فيه الخير إذ الناس مجبولون على تقليد بعضهم البعض؟!