وقفة عاجلة مع الخطة الاستعجالية ذ. محمد أبوالفتح

مجال التربية والتكوين يمثل “رهانا كبيرا في مسيرة تنمية بلادنا، باعتباره أول أسبقية وطنية بعد قضية الوحدة الترابية”

من المعلوم أن السبب المباشر الذي كان وراء وضع الخطة الاستعجالية هو احتلال المغرب سنة 2006 المرتبة 44 من بين 45 دولة حسب اختبار (PIRLS) في مجال القراءة والفهم؛ ولذلك يبدو أن الإصلاح قد راعى المعايير التي يعتمد عليها هذا الاختبار وغيره من الاختبارات الأجنبية، على أمل أن يحصل المغرب في سنوات قادمة على مراتب تحفظ له ماء وجهه في الساحة العالمية.

إن الناظر –بإنصاف- في الخطة الاستعجالية بمجالاتها الأربعة، يجد في جانبها النظري على الأقل -في انتظار ما سيخرج منها إلى الواقع والتطبيق- مشاريعَ جريئةً وضخمة، تنطلق من كون مجال التربية والتكوين يمثل “رهانا كبيرا في مسيرة تنمية بلادنا، باعتباره أول أسبقية وطنية بعد قضية الوحدة الترابية” .
فلا يسع الناقد المتجرد إلا أن يقر بالإيجابيات الكثيرة التي تضمنتها الخطة، كما لا يمكن الناقد البصير في المقابل أن يتعامى عن بعض جوانب النقص والخلل التي لا يخلو منها عمل بشري.
وسأكتفي في هذه الوقفة بضرب مثال لما أراه إيجابيا في الخطة الاستعجالية، وآخر لما أراه خللا ونقصا، وذلك حرصا مني على أن يكون نقدي بَنَّاءً غير هدام.

1- مثال لما هو إيجابي في الخطة
من أهم العناصر الإيجابية التي أثارت انتباهي في الخطة الاستعجالية، والتي أعتقد أنها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ما ورد في الهدف الأول، من المشروع 1، ضمن المجال 1 للخطة، وفيه:
“تعميم التعليم الأولي (ما قبل الابتدائي) في أفق سنة 2015، عن طريق اعتماد مفهوم جديد للتربية، يكون عصريا ومغربيا متأصلا”.
والذي أثار إعجابي بالتحديد في هذه العبارة هو عدم إغفال الخطة للهوية المغربية الأصيلة، في وقت يعيش فيه كثير من المغاربة احتقارا لذواتهم، وتنكرا لكل ما هو أصيل فيهم، وإعجابا مفرطا بكل ما هو دخيل عليهم، إلى حد جعلهم يستحون من التحدث بلغتهم العربية، وينسلخون من دينهم وأعرافهم الإسلامية.
ولقد كاد قلبي يذوب كمدا وحسرة؛ يوم اكتشفت أن أبناءنا في مرحلة التعليم الأولي العصري (أعني رياض الأطفال العصرية دون الكتاتيب القرآنية) يلقنون اللغة الفرنسية وحروفها قبل أن يتعلموا اللغة العربية وهجاءها، ويُفرض عليهم عند دخول الفصل والخروج منه إلقاء التحية باللغة الأجنبية، هذا؛ وهم لا يزالون صفحات بيضاء، لم يلقنوا بعد مبادئ القراءة والكتابة (ينظر التعليق لزاما) .
فالمغرب بلد مستقل ذو سيادة، له أعرافه الأصيلة، وليس مقاطعة تابعة لدولة أجنبية، حتى تفرض عليه لغتها وثقافتها في تربية أبنائها.
لهذا؛ لم يكن بد من تدخل الوزارة لإنقاذ الهوية المغربية الأصيلة قبل أن تتعرض للضياع والذوبان في بحر العولمة الغربية المتوحشة.
فنرجو أن يتم التعامل مع هذا الهدف بجدية، وأن يتم تعميمه في جميع المستويات، فهذا هو سبيل نهوض ورقي الأمم، ولا يمكن لأمة أن يكون لها عزة وشأن بين الأمم، إذا كانت تذل نفسها، وترضى بالتبعية لغيرها.

2- مثال للخلل والنقص في الخطة الاستعجالية
من المعلوم أن السبب المباشر الذي كان وراء وضع الخطة الاستعجالية هو احتلال المغرب سنة 2006 المرتبة 44 من بين 45 دولة حسب اختبار (PIRLS) في مجال القراءة والفهم؛ ولذلك يبدو أن الإصلاح قد راعى المعايير التي يعتمد عليها هذا الاختبار وغيره من الاختبارات الأجنبية، على أمل أن يحصل المغرب في سنوات قادمة على مراتب تحفظ له ماء وجهه في الساحة العالمية.
فلا يُستغرب أن يتم إغفالُ بعض الأسباب المباشرة التي تؤثر على تحصيل التلاميذ ومستواهم الدراسي.
ومن بين هذه الأسباب الرئيسية –في نظري- انحراف الشباب، وضياع القيم لديهم، وانتشار العادات القبيحة بينهم مثل: تناول الخمور، والمخدرات، وانتشار العلاقات الجنسية غير الشرعية… مما يحجب عقولهم، ويبدد طاقاتهم الذهنية، ويشغل هممهم عما ينفعهم، فلن يفيدهم شيئا تأهيل مؤسساتهم، ولا تزويدها بالوسائل التعليمية الحديثة، ولا غير ذلك من التدابير؛ لأن العقول المقصودة بالخطاب مغيبة بالمسكرات والمخدرات، ولأن الهمم التي نعول عليهم قد شتتها الشهوات.
ولذلك كان من المفترض أن تعالج الخطة الاستعجالية هذه الظواهر، وأقترح لهذا الغرض مشروعا إضافيا يتمثل في: “الارتقاء بالتربية الإسلامية”، على غرار “الارتقاء بالتربية البدنية” (المشروع 6 من المجال 1)، وقد تضمنت الخطة الاعتناء بالتربية الفنية والتربية الموسيقية (المشروع 12 من المجال 1)، فكان الأولى الاعتناء بمادة التربية الإسلامية، وأقترح لأجل تحقيق هذا الأمر:
-الزيادة في عدد ساعات المادة.
– الزيادة في المعامل الخاص بها ليعتني بها التلاميذ.
– التركيز في المادة على الجانب العقدي لأنه الأساس.
– الاعتناء أكثر بترسيخ القيم والآداب الإسلامية في أنفس التلاميذ.
– الاهتمام بالجانب الوجداني في المادة أكثر من الجانب المعرفي.
– تكوين أساتذة أكفاء لهذا الغرض تتحقق فيهم القدوة الحسنة للتلاميذ.
كما أقترح منع كل لباس مخل بالحياء في المؤسسات التعليمية، مما يخرج بالمؤسسة عن الغرض الذي أنشئت لأجله، وقد أكدت الدراسات أن تحصيل التلاميذ يكون أفضل في المؤسسات التي يفصل فيها بين الجنسين .
ولأجل محاربة الانحراف في أوساط التلاميذ أيضا أقترح أن يكون هناك تنسيق مع وزارة الأوقاف لتقوم المساجد بدورها في هذا الإطار، ومع وزارة الداخلية للقيام بحملة جادة تستهدف تطهير المؤسسات التعليمية من المخدرات، ومعاقبة من يتولى بيع الخمور للتلاميذ.
كانت هذه وقفة عاجلة مع الخطة الاستعجالية، حاولت أن أكون فيها منصفا وموضوعيا، والله أسأل أن يوفق المسؤولين لما فيه خير البلاد والعباد. والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *