بين الحجاب والأخلاق الصالحة (زهرة في جَنّة) بقلم: حمّاد القباج

الحجاب والأخلاق الصالحة..
يخطئ في حل هذه المعادلة صنفان من النساء:
أما الصنف الأول فيقول: إن الإسلام لم يشرع لنا شيئا اسمه: (الحجاب)، ولا ألزمنا بلباس معين! وإنما أراد منا الحشمة والتحلي بالأخلاق الحسنة.
فأضاع هذا الصنف تشريعا ربانيا محكما، ثبت بالنصوص القطعية من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وأما الصنف الثاني فيقول أصحابه بلسان الحال: مادامت المرأة محجبة ملتزمة بالجلباب الشرعي، فهي الصالحة العفيفة، ولا ضير عليها إن هي قصرت في المحافظة على أخلاق الإسلام من صدق وتواضع وبذل.. وغيرها.
وهو حال بعض المحجبات اللواتي ابتلين بمساوئ الأخلاق، ولا يجاهدن أنفسهن للتخلص منها.
ويضيع هذا الصنف جانبا عظيما من جوانب المنظومة التربوية في الإسلام، حَصَر فيه النبي صلى الله عليه وسلم سبب بعثته، والحكمة من سفارته حين قال: “إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” (رواه مالك).
وقد امتطى دعاة السفور والتعري، الجواد المنكوب الذي أسرجه الصنفان المذكوران بقوليهما ذينك؛ فقالوا في حربهم على الحجاب:
ليس في الإسلام شيء اسمه الحجاب، وهذا الأخير إنما هو شعار رفعته بعض الدول والجماعات، وألزموا به المسلمات لأغراض سياسية محضة!
وقالوا أيضا: انظروا إلى المحجبات وإلى أخلاقهن الساقطة! وانظروا إلى سلوكهن الذي يدل على أن الحجاب لا يأتي بخير، ولا يمنع من شر!
حتى أن وزيرا في بلد إسلامي صرح بأن الإسلام لم يفرض على المرأة ارتداء الحجاب! وأنه رجعية، وأن الحجاب الحقيقي هو الأخلاق والضمير، أما حجاب الملابس فهو جزء من الموضة!
وبغض النظر عما في هذا الهراء كله من مغالطات وملابسات، فإنني أقول للمرأة المسلمة:
اعلمي رحمك الله أن حل المعادلة التي جعلتها عنوان مقالي هذا، يرتبط بعنصر مهم في تحليل أرقامها ورموزها.
هذا العنصر هو: خلق الحياء.
وقد ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الحياء هو خلق الإسلام:
عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ” (رواه مالك).
قال العلامة الباجي رحمه الله: “قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: “لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ”، يُرِيدُ سَجِيَّةً شُرِعَتْ فِيهِ، وَخَصَّ أَهْلَ ذَلِكَ الدِّينِ بِهَا وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي يُثَابُونَ عَلَيْهَا” [المنتقى – شرح الموطأ – (4 / 293)].
وقد ثبتت النصوص الكثيرة في فضل هذا الخلق، والحث على التحلي به:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعه فإن الحياء من الإيمان”. (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار”. (رواه أحمد).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه”. (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحياء والإيمان قرناء جميعا؛ فإذا رفع أحدهما رفع الآخر”. (رواه الحاكم وصححه).
وتأسيسا على ما دلت عيه هذه النصوص، وبيانا لوجه كون هذا الخلق هو حل المعادلة المذكورة؛ فإنني أقول للصنف الأول:
إن الحجاب الشرعي بمفهومه الكامل –ومنه حجاب المسلمة في لباسها- عنوان على الأخلاق الكريمة التي حث عليها الإسلام، ومظهر من أهم مظاهرها؛ بل إنه قرين الحياء الذي هو أهم تلك الأخلاق، كما يفيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله حيي ستِّير، يحب الحياء و الستر” رواه أحمد (4/224) وصححه الألباني: صحيح الجامع (1706).
فجلباب المسلمة من الستر الذي شرعه الله لإمائه، وبالتالي فهو قرين الحياء في مَحابّ الخالق جل وعلا؛ فلا جرم أن اجتمعت على تشريعه النصوص العديدة من القرآن والسنة.
ومن جهة أخرى؛ فإن الحياء من أعظم الدوافع للمرأة كي تلتزم بالحجاب، وهو أيضا -أي الحياء- أهم أخلاق الإسلام كما سبق، ومعنى هذا أن المتخلقة حقا بأخلاق الإسلام -وعلى رأسها الحياء-؛ لا بد أن تحرص على الحجاب الشرعي؛ لأنها تستحي من الله أن تخالف أمره، وتستحيي من الأجانب أن يروا أعضاء جسدها.
وبهذا يتضح لنا خطأ من تترك المحافظة على الحجاب، وتزعم أنها ذات خلق!
.. وأقول للصنف الثاني؛ الذي اغترت نساؤه بحجابهن؛ فظنن أنهن الصالحات الناجيات، التقيات الورعات، وأن حجابهن كافٍ لإثبات تلك الأوصاف لهن، مما يحملهن -من حيث يشعرن أو لا يشعرن- على التقصير في واجبات أخرى؛ كالمحافظة على مكارم الأخلاق واجتناب مساوئها.. أقول لهن:
لقد سبق أن الحياء من أهم الدوافع الداخلية التي تقود المرأة للالتزام بالحجاب والمحافظة عليه، والمرأة الحيية حقا وصدقا لا تجرؤ على مساوئ الأخلاق؛ لأن الحياء لا يأتي لصاحبه إلا بخير؛ كما هو نص الحديث النبوي الصحيح:
عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ”. (متفق عليه).
وهكذا فإن الحياء خلق كريم، يثمر للمرأة أخلاقا صالحة أخرى، ويعينها على اجتناب الفاسد منها..
وإذا رأيت محجبة تخل بالأخلاق الصالحة، وتعتاد سيئها، فذلك راجع في الغالب لاختلالٍ في الدوافع التي حملتها على التحجب؛ ومن أهمها الحياء والاستحياء.
وخلاصة حل المعادلة؛ أن الحجاب والأخلاق الصالحة عنصران متداخلان، لا ينبغي الفصل بينهما..، والحياء هو الرابط والجامع بينهما:
فهو (أي: الحياء)؛ أرض خصبة طيبة في جنة عالية، تنبت فيها زهرة الحجاب، وهو في الوقت نفسه سقف الأخلاق الصالحة التي حث عليها الإسلام.
ومنه يظهر أن: الأخلاق جَنة، والحجاب زهرة من زهور تلك الجنة…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *