قال “لافرنه” في مؤتمر المنظمات الخيرية الإسلامية في باريس 25/09/1995م: “إن المستعمرين الغربيين منذ القرن التاسع يعملون على صرف الأفارقة عن دينهم عبر وسائل الضغط والاحتلال والقهر والتقسيم وإثارة النزاعات والإيحاء أن سبب بؤسهم هو الإسلام الذي يعتقدونه ملوحين بالصليب بيد وبالغذاء في اليد الأخرى”.
يتعرض الصومال لمحاولات التنصير منذ زمن بعيد، من قَبْل أن يقع فريسة لقوى الاستعمار الأوربي البغيض؛ فكانت الحبشة (إثيوبيا حاليًا) تحاول استعادة الأراضي الصومالية مرة أخرى إلى سيطرتها؛ حتى إن الإمبراطور الحبشي (يوحنا) أصدر قوانين لتنصير المسلمين قسرًا، وقامت حروب بين الصوماليين المسلمين والأحباش الصليبيين، ولولا تدخُّل البرتغاليين داعمين للأحباش لاختفت من الخريطة الحبشةُ الصليبيةُ، ولصار أهل الحبشة كلهم مسلمين.
وبمجرد أن تم احتلال الصومال من قِبَل قوى الاستخراب الأوروبي البغيض، توافدت عليه عشرات المؤسسات التنصيرية؛ الكاثوليكية والبروتستانتية، وبدؤوا في استغلال الظروف الصعبة للشعب الصومالي وفي بث السموم؛ فأنشئوا المدارس، وكان المنصِّرون يتجولون بين القرى والأرياف ويتنقلون مع البدو الرُّحل؛ حتى إن بعض العشائر تسمَّت باسم المنصِّر الذي لازمها.
ولم يغادر المحتلون الأوربيون الصومال سنة 1960م إلا بعد أن خلفوا وراءهم آلاف المنصِّرين والمؤسسات التنصيرية التي أمضى بعضُها أكثر من نصف قرن في الصومال؛ حتى تغلبت على كثير من المشاكل التي كانت تواجهها في البداية واستطاعت الاندماج في الوسط الصومالي، فكانت الفترة التي تلت خروج الاستعمار من أفضل الفترات التي مارست فيها هذه المؤسسات عملها التنصيري الهادم لكل الأخلاق والقيم وقبل ذلك العقيدة الإسلامية، وكان أهم عاملين ساعدا هذه المؤسسات على تكثيف العمل خلال هذه الفترة، هما:
-التوجه العَلماني الذي انتهجته الحكومات الصومالية التي تعاقبت على السلطة، والتي توجهت نحو الغرب وصارت تتودد إليه، وبالطبع كان عليها أن تقدم خدمات ملموسة لهذه الدول الغربية كي تدعمها، وكانت هذه الخدمات هي العطف على رعايا هذه الدول ومساعدتهم، ورعايا طبعا هم المنصِّرون.
-اعتماد الحكومة الصومالية اللغة الإنجليزية لغة رسمية للبلاد، وهو ما دفع كثيرًا من الصوماليين إلى التوجه إلى مدارس الإرساليات التنصيرية؛ كي يحصلوا على وظيفة مناسبة.
وعقب حملة الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه التي قادتها أمريكا؛ تم إغلاق العديد من منظمات الإغاثة الإسلامية الفاعلة في الصومال بتهمة دعم المنظمات الإرهابية، وهو ما فسح المجال أمام المنظمات التنصيرية كي تنشر الفساد وتبث سمومها دون حسيب ولا رقيب.
ومن أهم المنظمات والمؤسسات التنصيرية التي عملت في الصومال: الإرسالية الكاثوليكية، والإرسالية السويدية، ومنظمة المينونايتيون التي يتركز نشاطها في الصومال منذ خمسين عامًا من خلال برنامج (طريق يسوع بين الصوماليين) عبر الوسائل الإغاثية، ومنظمة كاثوليك ريليف التي تقدم المساعدة للمنظمات التنصيرية المختلفة منذ عام 2002م، إضافةً إلى (البرنامج العائلي العالمي) الذي يهتم بالنساء والأطفال، ومنظمة التطوير الإغاثية الكنسية (CRDE) التي تهدف إلى الدعوة الصريحة إلى النصرانية وتقدِّم الدعم الإغاثي للصوماليين عبر مشاريعَ إنمائيةٍ زراعيةٍ شمال غربي الصومال، ويجري فيها إيواء ما يزيد عن 300.000 لاجئ..
ومنظمة مجتمع التوراة، وإرسالية السودان الداخلية، ومنظمة آباء كونسولاتا التي تمارس عملها التنصيري في ثوب إغاثي عبر إدارة وحدات طبية، ودُورِ أيتام ومدارس، ومنظمة أخوات كونسولاتا التي تقدم برنامجًا للإغاثة الكاثوليكية منذ عام 2002م، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، يتضمن برامج غذائية للأطفال، ويهدف هذا المشروع إلى الوصول إلى تنصير 300 طفل سنويًّا.
وتعمل هذه الهيئات التنصيرية على فرض التنصير على الصوماليين قسرا؛ ملوحين بالصليب بيد وبالغذاء في اليد الأخرى؛ ومستغلين الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد: مِنْ تسلُّط أمراء الحرب على الخيرات والمقدرات، وانتشار الفقر والمجاعة.
مستلهمين نشاطهم هذا من قول “لافرنه” في مؤتمر المنظمات الخيرية الإسلامية في باريس 25/09/1995م: “إن المستعمرين الغربيين منذ القرن التاسع يعملون على صرف الأفارقة عن دينهم عبر وسائل الضغط والاحتلال والقهر والتقسيم وإثارة النزاعات والإيحاء أن سبب بؤسهم هو الإسلام الذي يعتقدونه ملوحين بالصليب بيد وبالغذاء في اليد الأخرى”.
وقد ظلت الساحة مواتيةً تمامًا لأعمال المنصِّرين ونشاطهم حتى تمكَّنت المحاكم الإسلامية عام 2006م من السيطرة على العاصمة الصومالية وهزيمة أمراء الحرب، هنالك أدرك المستعمرون القدامى والمنصِّرون الذين يشكلون ذراعًا للاستعمار في الصومال خطورة وجود نظام إسلامي في الصومال؛ فهذا النظام الإسلامي -حتمًا- سيوقف نشاط المؤسسات التنصيرية في الصومال ولو بالقوة وسيدعم بالمقابل جمعيات ومؤسسات الإغاثة الإسلامية.. فما كان من إثيوبيا الصليبية إلا أن تحركت وشنت الحرب بالوكالة على المحاكم الإسلامية، وهو ما أدخل الصومال في حقبة جديدة من الاستعمار والتنصير كذلك.
ولم تتوقف الحملة التنصيرية في هذا الجزء من العالم العربي عند تنصير الصوماليين في الصومال فقط، بل استهدفت اللاجئين الصوماليين إلى دول الجوار؛ حيث تبين أن هناك أزيد من 15 هيئة إغاثة غربية في مخيمات اللاجئيين تعمل على إبعاد الجيل الصومالي الجديد عن الإسلام.)الصومال ما بين نشاط المنصرين وغفلة المسلمين(.
إن قضية الصومال قضية شائكة جدا، لأن الشعب يموت ولا نصير له ولا أحد يمد له يد العون سوى الهيئات والجماعات التنصيرية التي تنهال عليها النفقات من الغرب، ولا نستطيع لوم هذا الشعب الذي خُذِل من قبل إخوانه، لا نستطيع لومه لقبوله هذه الإعانات وطلبه لبقاء تلك الهيئات، وإنما اللوم كل اللوم على المسلمين الذين وقفوا مكتوفي الأيدي وهم ينظرون إلى معاناة إخوانهم؛ ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.