لا يخفى أن الله جلَّ وعلا قد أوجب تناصر المسلمين فيما بينهم وإرفاد بعضهم بعضاً، ودلائل ذلك كثيرة في القرآن والسنة، كقوله سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعض) [التوبة:71].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً” وشبك بين أصابعه، وفي الصحيح أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام قال: “مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”. والنصوص في هذا الباب كثيرة.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند النوازل والشدائد الفزع إلى الله تعالى والضراعة إليه سبحانه بكشف الضراء وتحويل البأساء، ومن هديه عليه الصلاة والسلام أيضاً دعوة المسلمين لإعانة بعضهم بعضاً.
ونذكر في هذا المقام بالثناء والتقدير مواقف بعض الدول الخليجية والعربية ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، وجهود الجمعيات والهيئات الإغاثية الإسلامية التي تسعى لعون المحتاجين هناك، إلا أن حجم المجاعة وقدر الحاجة -بحسب الهيئات الدولية المختصة- أكثر مما بُذل حتى الآن؛ مما يضاعف المسئولية على الحكومات الإسلامية وعلى أثرياء المسلمين.
وقد ذكر علماء الشريعة أن المجاعة مصرفٌ أصيلٌ من مصارف الزكاة، وحذروا أثرياء المسلمين من التهاون في صرفها وأدائها إلى مستحقيها، عملا بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ) [البقرة/254]. وقال تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران/180].
وتقدر في أموال الأثرياء العرب سنوياً بأنها تزيد على ستة وخمسين ملياراً وثمانمائة وخمسة وسبعين ألف دولار.
حاجتنا في الصومال لخطة إغاثية تنموية شاملة
من يسبر أوضاع الصومال طيلة العقدين الماضيين يدرك أن تكالب قوى الشر والبغي والعدوان هي أساس الفواجع على أهل الصومال، وإلا فثمة مجالات للتنمية عديدة، يمكن أن تكون بإذن الله سنداً لشعب الصومال لينهض من عثرته.
وعلى مبدأ “أهل مكة أدرى بشعابها” ففي مجال التنمية أكد الناشط في مجال الطوارئ والإغاثة شافعي عبد العزيز على حاجة الصوماليين إلى مشاريع تنموية للأسر المتأثرة بالكارثة الحالية، مشيراً إلى أهمية دعم حرفهم المتصلة بالرعي والزراعة وحفر آبار المياه لهم.
ويؤيد هذا الرأي الخبير الصومالي في شؤون التنمية البشرية عبد الله علي حاشي ووضح أن الصومال يمتلك أكثر من ثمانية ملايين هكتار من الأراضي الخصبة والصالحة للزراعة، مشيراً إلى إمكانية الاستفادة من تلك الأراضي الزراعية لمواجهة الكوارث الطبيعية الناتجة عن الجفاف.
ويؤكد ما قاله هذا المختص أن الصومال يشهد غياباً لمشاريع تنموية في المجالات الزراعية والصناعية منذ انهيار حكومة سياد بري عام 1991 وقد تعطلت هذه المشاريع أسوة بغيرها من المرافق الدولة بسبب اندلاع الحرب الأهلية.
وفي ضوء ذلك: فالصومال بحاجة إلى إغاثة على مرحلتين:
الأولى: عاجلة قصيرة الأمد تتمثل في توفير أماكن الإيواء المتضمنة لبنية تجمعٍ بشريٍّ صحي، إضافة إلى توفير الأغذية والأدوية المناسبة، وكذلك المستلزمات الصحية الشخصية، وبخاصة للنساء والأطفال.
المرحلة الثانية: مرحلة لاحقة طويلة المدى تتضمن تأسيس مشاريع تنموية في الزراعة والرعي والصيد البحري وغيرها من المجالات؛ لتجعل الصوماليين يعتمدون على أنفسهم، إضافة إلى مشاريع البنية التحتية الضرورية في شتى المجالات، ويكون ذلك بدعم من أشقائهم المسلمين حكومات وشركات وأفراداً.
وللحفاظ على أموال الإغاثة والتنمية من استغلالها في غير محلها من قبل أي أشخاص أو جهات أياً كانت يتعين ربطها بهيئة مركزية ولجان فرعية للتدقيق والمتابعة والضبط، وتكون هذه الهيئة مستقلة وتابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أو ما شابهها.
ومن المؤكد أن ذلك كله لن يتم إلا في بيئة آمنة، وبذلك نعلم أن المجرم الحقيقي هو كل من يزعزع الأمن ويهدم أركانه.