تجليات الثقافة الجنسية في المشروع الغربي

ترتبط الثقافة الغربية ارتباطاً وثيقاً بالدين، ويتجلى هذا بوضوح في موضوع علاقة الرجل بالمرأة -في العقلية الغربية- إلى جانب وراثتها للحضارة اليونانية والرومانية اللتين نظرتا إلى المرأة على أنها جسد ومخلوق أقل من الرجل بل والمصدر الأول لشرور العالم على حد تعبير “جون جاك روسو” في متابعته لنظرة أفلاطون وأرسطو للمرأة، فإن مجيء المسيحية كرس بند الخطيئة وظلت المفاهيم الأساسية عن تفوق الذكر وتدني الأنثى ماثلة بلا تغير كما أفاضت ليندا جين شيفرد (في أنثوية العلم).. وهذا أدى إلى هضم حقوق المرأة وانتقاص قدرها وشأنها وظلمها مادياً ومعنوياً بشكل كبير.
لم تحتمل المرأة في الغرب هذا الظلم الصارخ، فكانت حركات تحرير المرأة المتعددة فمنها زاد التوجه المعتدل التي تنادي بحقوق المرأة داخل سياقها الأسري والمجتمعي، ومنها من شطحت بعيداً وتمردت على كل أشكال العلاقة مع الرجل واتجهت بتفكيرها إلى الانحراف والخروج عن المألوف والتمادي في الآراء غير السوية إلى درجة تأليف جمعية (تقطيع أوصال الرجل) والدعوة إلى إزاحة الرجل من الوجود وتكوين مجتمع نسائي خالي ومستغنى عن الرجال وغيرها من الأفكار غير الطبيعية كما فندها مثنى أمين الكردستاني حول زيادة التطرف النسوي: “ولكن الحركة النسوية ومع تصاعد درجات العلمنة والإباحية والأنانية والتخبط الفكري سرعان ما تحولت أكثر فصائلها إلى حركات هدامة وشمولية وراديكالية متطرفة، تجاوزت حدود اختصاصها وقضاياها إلى الحديث عن أيدولوجيا خاصة بالمرأة “إبستومولوجيا” نسائية، بل حتى مجتمعات خاصة بالمرأة، وبدأت تتبنى مطالبات تتعارض مع العدالة والأخلاق والقيم والأديان، وتؤدي إلى الفوضى والعبث وتهدد الأمن الاجتماعي وتستهدف الأسرة وحقوق الأطفال وتدخل المرأة في متاهات وظلمات لها أول ولا آخر لها”.
مع تزايد النظرة الدونية للمرأة في الثقافة الغربية ازداد الغلو في مطالب الحركات النسوية، وشاعت مصطلحات: السلطة الأبوية، المجتمع الذكوري، تمكين المرأة، مناهضة التمييز ضد المرأة، العنف ضد المرأة…
وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي تترجم الحالة الصراعية الاجتماعية في تلك الثقافة.. ومع بروز دور مؤسسات المجتمع المدني استطاعت النسويات الغربيات الوصول إلى مواقع صنع القرار واتخاذ القرار في بلادها وفي مؤسسات المجتمع الدولي، حتى أن إحصائية حديثة ذكرت أن 60% من أعضاء المنظمات الأنثوية في أمريكا سحاقيات؟!
وهذه المنظمات وأمثالها في الغرب هي المسيطرة على لجنة المرأة في الأمم المتحدة، ومن خلالها فرضت وتفرض شذوذها الفكري والسلوكي على العالم أجمع من خلال المواثيق الدولية كما أشار الدكتور محمد عمارة حيث قال “نحن أمام فكر شيطاني بكل ما في هذه الكلمة من معان دقيقة يطل علينا ليجتاح العالم كله، وعالمنا الإسلامي على وجه الخصوص، كان بدايته في مؤتمر السكان عام 1994، والذي دعا الحكومات والمؤسسات المختلفة وحتى الدينية منها إلى تغيير هياكل الأسرة لتكون قائمة ليس على زواج فقط وإنما على أي لقاء بين رجل وامرأة”.
واستطرد قائلا: “أن ما يجعل هذا الميثاق مهما هو ضرورة مواجهة الأفكار التي نجح أعداء الإسلام في تأصيلها كدعوة تحريم الزواج المبكر، واعتبار النشاط الجنسي حقا من حقوق الجسد، وأكد أن هذا كله فكر شيطاني حقيقي يظهر أبشع وجوه الحضارة الغربية التي تريد بالعولمة اجتياح منظومة القيم التي اتفقت عليها كل الديانات السماوية”.
وتحت بند الحرية الشخصية المفتوحة شاع في الغرب مظاهر للانحلال الأخلاقي وفوضى العلاقات الجنسية والشاذة تدعمها فلسفات ونظريات وآراء تدعو إلى التحرر والعبثية والنفعية واللذة والبحث عن المتعة كغاية عليا.. وساهمت وسائل الإعلام في التسويق الإعلامي لجسد المرأة ومستلزمات إظهار مفاتنها وإضفاء الشرعية على صور الحرية المطلقة تحديداً منذ فترة الستينيات من القرن العشرين وحتى يومنا هذا..
هذا واقعهم الناجم عن ثقافتهم التي تمردت على الدين وتخلت عن القيم وعاندت الفطرة، ولكن أن تُصدّر تلك الثقافة، وتفرض تلك القيم على مجتمعاتنا الإسلامية عن طريق آليات العولمة التي بيدها صناعة القرار لتحديد مصير العالم مثل (منتدى دافوس والمؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة والسكان والقوانين الدولية التي تصبح ملزمة بعد التوقيع والتصديق عليها، والمنظمات الأهلية والإعلام وممارسة الضغوط)، فهنا مكمن الخطر الحقيقي. خاصة أن المفاهيم الغربية التي تختبئ وراء المصطلحات المصكوكة تحمل في ظاهرها معاني متقاربة في ثقافتنا، لكن إن أمعنا النظر في المصطلحات في لغتها الأصلية صدمتنا الكثير من الحقائق والآليات التي تنافي أبسط المبادئ والأعراف والقيم في منظومتنا الثقافية. (الثقافة الجنسية بين مؤتمرات منظمة الأمم المتحدة والتصورات الإسلامية، د.ست البنات خالد محمد علي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *