عاد الهندوس من جديد لاستفزاز المسلمين بمملكة “سيلان”، والتي تعرف الآن بـ”سريلانكا”، حيث أقدم مجموعة من متطرفيهم على هدم مسجد في قرية “كالّيانكادو” بمحافظة “ماتّاكيلافو” السريلانكية، ثم قاموا ببناء مركز هندوسي للتأمل واليوغا مكانه، وتم افتتاح ذلك المركز منذ أيام مضت.
والمسجد كان يسمى سابقا “مسجد فردوس”، وكانت تقام فيه الصلوات حتى قام الإرهابيون المسمون “نمور تحرير التاميل” بقتل وتشريد المسلمين من المناطق الشرقية والشمالية أثناء الحرب الأهلية في بداية التسعينات من القرن المنصرم، كما كان بجانب المسجد مدرسة لتعليم وتلقين القرآن الكريم.
وعندما عاد المسلمون إلى أرضهم الأصلية بعد انقضاء الحرب الأهلية وجدوا أن المسجد قد تهدمت أجزاء منه، فحاولت بعض الهيئات الإسلامية إعادة ترميمه لكن لم تفلح محاولاتهم، ورغم وجود الأدلة الكافية على أن المسجد وأرضه حق للمسلمين إلا أنه لم يسمع لهم، وتم افتتاح مركز هندوسي في نفس موقع المسجد.
ومنذ شهور قليلة اقتحم عدد من رجال الدين البوذيين مسجدا في حي “باتياماواتّا” بمدينة “دهيوالا” السريلانكية، وهددوا المسلمين فيه بغلق المسجد، وبعد عدة أيام قامت السلطات بإغلاق المسجد دون إبداء أسباب، كما تم إغلاق مدرسة “الفوز الأكبر” لتعليم القرآن التي كانت في المسجد، وإلى الآن لم يفتح هذا المسجد، أو المدرسة التابعة له.
وفي عام 2009م قام بعض العنصريين البوذيين بتدمير وهدم مسجد قديم في مدينة “أنورادابورام” السريلانكية، مثيرين الشحناء والبغضاء بحجة أنه يقع في المكان الذي دُفِن فيه الملك “دوتّاجيمونو”، على حد زعمهم، وتم هدم المسجد وتسويته بالأرض رغم وجود الشرطة والأمن بالقرب منهم.
وهذه الأمور تعيد للأذهان تلك المذبحة التي قامت بها “جبهة نمور تحرير تاميل إيلام” عام 1990م، حيث قام أعضاء هذه المنظمة بإطلاق النار على عدد غفير من المسلمين، وهم يؤدون الصلاة داخل مسجد مدينة “كاتانكودي”، إضافة إلى قيامهم بعدد من عمليات القتل والتشريد، وقد تسببت هذه الهجمات في قتل وتشريد 100.000 مسلم من المناطق الشمالية، وحولت المسلمين إلى لاجئين في أراضيهم، بالإضافة إلى هدم وتدمير أكثر من 200 مسجد تاريخي في مناطق المسلمين.
وجزيرة سريلانكا هي إحدى جزر المحيط الهندي التي يحدها “خليج البنغال” من جهة الشمال الشرقي، ويفصلها عن القارة الهندية خليج “مانار”، وقد عرفت هذه الجزيرة الإسلام في القرن الأول، ولقد ارتبط دخول الإسلام فيها بدخوله الهند وجزر أندونسيا، كذلك كان للتجار العرب المسلمون كبير الأثر في نشر الإسلام هناك، غير أن الانتشار الفعلي للإسلام في جزيرة سريلانكا بدأ بنهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني.
ويقدر عدد المسلمين في سيرلانكا الآن بحوالي 2 مليون نسمة، من إجمالي السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة، وهم بذلك يشكلون ثالث أكبر مجموعة عرقية في سريلانكا، ويتحدث معظمهم لغة التاميل، ويقدر عدد مساجدهم بألفي مسجد موزعة على المدن المهمة والقرى التي ينتشر بها المسلمون.
والسؤال الآن:
إلى متى سيظل المسلمون يعانون ويعادون وتهدم مساجدهم؟
ولماذا يصمت العالم بمنظماته المدنية والحقوقية على هذه التجاوزات؟
وهل كانت المواقف ستتغير لو حدث هذا الأمر في كنيسة أو معبد أو وثن؟
الحقيقة أن دماء المسلمين -خاصة- ومقدساتهم ومساجدهم لا تساوي شيئا عن أدعياء الحرية والديمقراطية، الذين هبوا لمساعدة كل أحد ونجدة كل إنسان شريطة ألا يكون مسلما، وما حادثة هدم تمثال بوذا عنا ببعيدة، حيث قامت الدنيا ولم تقعد عندما هدمته طالبان، ثم أعيد بناءه مرة أخرى من جديد…
(مركز التأصيل للدراسات والبحوث)