وتستمر الحرية في الإساءة للإسلام، إذ يشارك “القضاء” الأمريكي في المؤامرة النتنة على الإسلام دون أن يتحدث أحد عن إثارة الكراهية، أو عن أن مثل هذه الأفكار ماهي إلا دعوة للعنصرية في قلب ما يسمى العالم “الحر”، لا أحد تحدث عن التسامح وقبول الاختلاف، حتى نابتة السوء التي رضعت من العلمانية وفطمت بالحداثة فصارت خبزها اليومي، لم تصمت فحسب، وليتها خرست لكنها، والويل لها، إذ كانت في صف الأعداء، ولم تكلف نفسها الدفاع عن الإسلام، كما تدافع عن دينها الحقيقي المتمثل في الثلاثي المقدس عندها الديمقراطية والعلمانية والحداثة، لأنه لو كان الإسلام دينها حقا وصدقا لوجلت قلوبها، واضطربت مشاعرها، وتحركت أقلامها، وصدحت حناجرها ذودا عن حياضه.. لكن شيئا من هذا لم يكن!
نعم، لقد شارك “القضاء” الأمريكي، الذي لم تحرك عدالته ساكنا لإزالة وصمة العار في جبين الغرب كله، السجن الرهيب غوانتنامو.
لقد شارك ما يسمى القضاء الأمريكي في التهجم على ديننا ومعتقداتنا، بترخيصه لملصقات الكراهية والعنصرية، والتي كتب فيها: “في كل حرب بين الإنسان المتحضر والهمج، ساندوا المتحضر”.
وفي أسفل العبارة وضعت جملة “ساندوا إسرائيل”، بين نجمتي داود باللون الأزرق، تلتها في الأسفل عبارة “حاربوا الجهاد” باللون الأحمر.
وتأمل أيها القارئ اللبيب مفردات ورموز الملصق، فهو لا يتحدث إلا عن الحرب، ونحن يحدثوننا عن السلام، يستبيحون أراضينا وأهلينا في أفغانستان والباكستان واليمن، ويحرمون علينا الجهاد، فريضة ربنا، للدفاع عن أنفسنا، لا يرحمون فينا المرأة قبل الرجل، والرضيع قبل الشاب، وذا الشيبة قبل الكهل، يحرقون ويدمرون، وهم المتحضرون القتلة، ونحن الهمج الضحية!
واللقيطة الصهيونية تحتل أراضينا، وتعيث فيها فسادا ومسخا، حتى شجر الزيتون “رمز السلام”، لم يسلم من بطش قطعان المغتصبين، وما علينا إلا أن نحني ظهورنا ليركبونا تحقيقا لما جاء في بروتوكولاتهم.
إلا أن الثورات المجيدة زعزعت كيانها، وكشفت ضعفها، فأرسلت سفهاءها، في جنح الظلام، لإنتاج شريط لا يساوي فلسا، ثم عطفته بملصقات تنم عن حسد دفين لهذه الأمة التي حاروا في كيفية القضاء عليها، لأنهم كلما حسبوا أنهم على وشك التخلص منها، قامت كالعنقاء من بين الأنقاض أكثر قوة، وأشد عزما.
يتحدثون عن حرية التعبير، وعندما تتفحص حقيقتها تجد أنها حكر عليهم وحدهم، يضحكون بها على بني علمان من بني جلدتنا، ليتخذوا منهم معول هدم لشريعتنا، فيما يعلون من صرح شريعتهم، التي من أركانها حرية الإساءة لمعتقداتنا. وإلا لِمَ تم اعتقال الناشطة والصحفية منى الطحاوي لعدة ساعات، وهي المتبرجة، المدافعة عن “حقوق” المرأة، لمجرد أنها، هي الأخرى، عبرت عن رأيها بمحاولة طمس ما جاء في الملصقات آنفة الذكر؟
لقد تحدث بوش الصغير عن العدالة المطلقة عند غزو أفغانستان، فهذه هي عدالة “الحلم الأمريكي”، غزو همجي، وسجن رهيب، وقضاء يحكم لصالح العنصرية والكراهية، وشرطة تعتقل ناشطة تعبر عن رأيها، ويريدون أن نصدق أن نواياهم حسنة في تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي، كما روج لذلك أوباما في القاهرة.
والغريب في مسألة منى الطحاوي، هو أنها، وهي تحاول طمس محتوى الملصق بصباغة حمراء، إذ هرولت امرأة أمريكية صوبها، فحاولت ثنيها عن فعلها، إلا أن منى لم تستسلم، فكانت تراوغها لترش الصباغة على الملصق، فما كان من “المتحضرة” الأمريكية إلا أن دفعتها بقائم الكاميرا، غير أن منى حاولت إقناعها بالعدول عن استعمال العنف، إلا أن المتحضرة أبت، إلا أن تستعمل العنف الجسدي، فما كان من منى إلا أن صرخت في وجهها قائلة: “عليك اللعنة”.
وأمام إصرار منى على تنفيذ مهمتها كاملة في طمس محتوى الكراهية، عمدت “المتحضرة” مرة أخرى إلى استعمال العنف، بدفعها بذراعها وجزء من جسدها، وبقيتا على هذا الحال من الشد والجذب، حتى حضر رجلا شرطة أحدهما يجر كلبا، ودون أدنى استفسار! توجه صاحب الكلب مباشرة إلى المرأة العربية، وأمسكها من ساعدها، فيما وضع لها مرافقه الأصفاد في إحدى يديها، دون تقص عن حقيقة الأمر. بل وهمس صاحب الكلب في أذن “المتحضرة” بكلمات، وكأن منى لا توجد!
لقد رضعوا العنصرية من أثداء أمهاتهم، وإلا لاستفسر الشرطي عن الأمر عوض أن يذهب رأسا إلى منى، ويوشوش في أذن بنت قومه، دون أي اعتبار لغريمتها الأمريكية هي الأخرى جنسية، العربية أصلا!
هذه هي العدالة الأمريكية المطلقة، هي أن ينصر الأمريكيُ الأمريكيَ، من أصل أوربي، ظالما أو ظالما، لأن الأمريكي لن يكون إلا ظالما، مادامت أمريكاه غير مستعدة لأن تحجزه عن الظلم.
وعلى الرغم من كل هذه الغطرسة، فإن منى الطحاوي عبرت وهي المتبرجة، المدافعة عن حقوق المرأة، عبر حسابها الخاص على موقع التويتر، بالقول: إنها فخورة بما فعلت، وإنها غير نادمة على الإطلاق عما فعلت، لأنه يندرج تحت حرية الرأي، وهي لم تمارسها إلا بأسلوب سلمي.
وحتى لا يحسبن أحد أن الحرية، أو قل الرغبة الجامحة في الإساءة للإسلام هي وليدة الشريط السخيف، بل لها جذور تمتد إلى القرون الوسطى كما أشرت إلى ذلك في أكثر من مقال، وسأورد مثالين حديثين في هذا الشأن.
ومن هذه الأمثلة، التي لا تمثل الرغبة الشيطانية في الإساءة للإسلام فقط، بل تمثل الإصرار على تدميره، ما اقترفه الكولونيل “ماثيو دولي”، في شهر أبريل من السنة الجارية، حينما أقدم على وضع برنامج تدريب عسكري، تحت عنوان: (وجهات نظر حول الإسلام والتطرف الإسلامي)، والذي يتم تدريسه لقادة المستقبل العسكريين بكلية الأركان المشتركة، كلية نورفولك العسكرية بولاية فيرجينيا. ويستهدف هذا البرنامج الوحشي، المدينة المنورة ومكة المكرمة بالقنابل النووية قصد محوهما من الوجود، وقتل أكبر عدد من المسلمين.. وهيهات هيهات أن يطفئوا نور الله، مهما كادوا ومكروا وخططوا وتآمروا.
والمثال الثاني يتمثل في أن في سنة 2007 لقي الأمريكي الصهيوني “جيري فالويل” مصرعه، بعدما قضى حياته في شتم رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، في جامعته، “جامعة الحرية” كما وضع في موقعه على العنكبوتية تأريخا زائفا لحياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ووصفه صلى الله عليه وسلم بالإرهاب في برنامج “ستون دقيقة” الذي أذيع في 6 أكتوبر 2002. وله “نظرية” صهيونية تدعي أن لله مملكتان، واحدة في الأرض تتمثل في الكيان الصهيوني، وأخرى في السماء تتمثل في الكنيسة، وقد منحه المجرم البائد ميناحيم بيغن جائزة لتأييده للكيان الغاصب.
إن الإساءة للإسلام في شخص رسول الله صلى الله عليه وتعاليم ديننا الحنيف هي من الأركان الثابتة لمعتقدات المسيحية الصهيونية خاصة، والغرب عامة. لأن الناظر المتأمل إلى الخيط الرابط بين الشريط التافه، والملصقات العنصرية، وأفعال “جيري فالويل”، لا يصعب عليه أن يستنتج أن مصدرها مستنقع واحد هو “المسيحية الصهيونية” التي بكل مكر، ربطت بين متناقضين عدوين لذودين عبر التاريخ، هما اليهودية والنصرانية، مما يدل دلالة قاطعة على أن اليهود متغلغلون في الكنائس، مستخدمين التقية، كأشقائهم الروافض، لأنه لا يعقل أن يجتمع منكرو المسيح عليه السلام ومدعو قتله، مع محبيه في عقيدة واحدة!