أنَّاتُ قَلَم عبد الحكيم فرحي

قلت لِحِبْر قلمي: أخرج إلى روح وريحان، وَقِرطاس رَاضٍ غير غَضْبَاٍن، قال والحسرة تعلوا مُحيَّاه، فقد أُثخن قلبه جراحا: أي روح يا سيدي وهذا النَّتَنُ يملأ كل قطر وزاوية، أي رَيّْحان وأنفاسنا تَخْتَنق مع أول نسمة يسوقها الهواء، كلها وباء وبلاء، وظلم حجب نور الشمس دهرا، إنسان أبيد قهرا ونسف قسرا، فهو لم يعد يساوي جناح بعوضة؛ بإشارة واحدة تجعل أمة بأكملها أثرا بعد عين، أي رِضى يا سيدي عما تتحدث؟ هل أرضى بالذل والهوان في عالم نَخَرَتِ المادة عروقه، عالم استرخص الإنسان وجعله جسدا بلا روح، وماذا تنتظر من عظام صارت رَمِيمًا لا تدب فيها روح الحياة أن تصنع، جحافل الظلام أسرجت الخيول فهي لا يسكن لها قرار ولا يهدأ لها بال حتى تجعل كل الرقاب تذل لها خضوعا، ما من حصن داهموه إلا واستعبدوا أهله أشد استعباد، ولسان حالهم يقول: ملأنا البر حتى ضاق عنا، والبحر نملأه سفينا، ونحن معشر المنكوبين بكينا حتى جفت مآقينا.
قال لي القلم مُعَاتِبًا: لماذا كَدَّرْتَ صَفْوِي؟ لماذا حَفَرْتَ على هذه المآسِي المُحَنَّطَةِ في تَابُوتِ التَّارِيخِ البئيس؟
أريد أن أنسى، وَقَدْ قُلْتَ لِي أَنَّ هذا الجَمْرَ قد خَمد إلى الأبد، لكنك نفخت فيه حتى انجلى عنه الرماد فعاد له الوهج من جديد، ما أشد وقع ألمه، ما أشد حرَّه، كأنها حمم تفتك بالقلب فتذره قاعا صفصفا لا ترى فيه عوجا ولا أمتا.
دعني يا سيدي في سكون يَلُفُّنِي فيه الصمت، لتهدأ نفسي بعد اضطراب وتسكن بعد فزع.
قلت له: قد أوتيت سؤلك، فطب نفسا. لكن لابد أن تحترق لتخرج من المحن أصفى مما كنت عليه قَبْلُ، فَسَبَائِكُ الذَّهَبِ الإبريز لا تزيدها النار إلا صلابة ومتانة، فتصقل كأجود مما كانت عليه قبل.
فكم أُصلي الياقوت جمر غضى *** فانطفى الجمر والياقوت ياقوت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *