والمراد بها: ماء لونه أبيض، وجرمه متردد بين المذي والعرق، يخرج من فرج المرأة؛ من مخرج متصل بالرحم لا من مخرج البول، وهو كثير الخروج عند كثير من النساء ويقل عند بعضهن.
والفرق بينه وبين مَنِيّ المرأة؛ أن هذا الأخير أصفر يخرج عادة بجماع أو احتلام، ويكون خروجه بشهوة عادة.
والفرق بين الرطوبة وبين المذي؛ أن المذي يخرج بشهوة وعند إرادة أو تذكر الجماع، ولا يكثر في الغالب.
وهذه الرطوبة لرحم المرأة؛ كالدمع للعين والمخاط للأنف واللعاب للفم.
حكمها:
الراجح أنها طاهرة غير نجسة؛ إذ الأصل الطهارة فلا ننتقل عنه إلا بدليل:
قال أبو الطيب: “الأصل في جميع الأشياء الطهارة، والحكم بنجاستها حكم تكليفي تعم به البلوى ولا يحل إلا بعد قيام الحجة” (الروضة الندية 1/17).
وينضاف إلى الأصل المذكور؛ وجهان آخران ذكرهما ابن قدامة في المغني؛ وهما قوله: “لأن عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ جِمَاعٍ، فَإِنَّهُ مَا احْتَلَمَ نَبِيٌّ قَطُّ، وَهُوَ يُلَاقِي رُطُوبَةَ الْفَرْجِ.
وَلِأَنَّنَا لَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ، لَحَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِهَا، فَيَتَنَجَّسُ بِرُطُوبَتِهِ” (المغني 3/248).
ووجه الاستدلال من الأول؛ أن الرطوبات لو كانت نجسة لما اقتصرت عائشة على فرك المني الممزوج بتلك الرطوبات، وقد أقرَّها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وفي رواية صحيحة: “أنها كانت تحكه يابسا بظفرها”.
والحكم بطهارة الرطوبة هو مذهب كثير من العلماء.
والظاهر أن خروجها لا ينقض الوضوء؛ للبراءة الأصلية أيضا، ولأن هذه الإفرازات موجودة عند أكثر النساء ومع ذلك لم نقف على نص يأمرهن بالوضوء منها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -في استقراء العلماء- أنه أمر امرأة أن تتوضأ من هذه الإفرازات رغم كثرتها وابتلاء عامة النساء بها.
وتكليف المرأة بالوضوء لكل صلاة، لأجل الرطوبة إن كانت مستمرة، أو إعادتها للوضوء إذا كانت متقطعة، أمر شاق ومحرج وقد قال سبحانه: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (الحج 78).
وقال تعالى في سياق بيان الطهارة الشرعية: “مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (المائدة 6).
وهذا هو مذهب ابن حزم، والله أعلم.