رسالتي إلى إخواني من أهل السنة ممن عرفوا بالاعتدال ونبذ الغلو؛ إخواني ممن عرفوا بلزوم العلماء وتوقيرهم والذب عنهم والرد على منتقصيهم.
رسالتي إلى إخواني الذين تربوا معنا على أيدي الأخيار وعاشوا معنا الأفراح والأتراح.
رسالتي إلى إخواني الذين أحببناهم ولا زلنا نحبهم ومن أجل ذلك أحببنا أن نناصحهم ونذكرهم بما تعلمناه جميعنا في أكناف علمائنا ومشايخنا.
يقول ربنا في كتابه العزيز: “شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (آل عمران:18)، أحبتي أما تقشعر جلودكم وتلين لسماع هذه الآية! أما تذرف أعينكم عند تلاوتها!
ففيها تقرير من الله سبحانه وتعالى للتوحيد بشهادته بنفسه، وشهادة ملائكته، وشهادة أولي العلم. تدبروا معي إخواني كيف قرن الله سبحانه شهادة أولي العلم بشهادته وشهادة ملائكته؛ فيا لها من مكانة ومرتبة عظيمة، وفي هذا يقول السعدي رحمه الله: “أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وأن إشهاده سبحانه أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه”.
نعم إنهم أمناء الله وأولياؤه في أرضه، وهم نجوم السماء التي يهتدى بها ومصابيح الدجى التي يستنار بها، أثنى عليهم ربنا في غير ما آية، وأثنى عليهم رسولنا في غير ما حديث؛ حتى قال صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء”، فحبهم دين وإيمان، وبغضهم نفاق وضلال، اللهم إنا نشهدك أنا نحبهم ونحب من يحبهم.
أعزتي لا أشك في حبكم لأهل العلم بطبيعة الحال فهذا ليس من شيمكم؛ ولكن عتابي فقدانكم الثقة فيهم وشككم في حجية أقوالهم. أليسوا أمناء الله على وحيه؟
ألم يجعلهم الله شهداء وحجة على العباد؟
ألم يأمرنا ربنا بسؤالهم والرجوع إليهم عند الاستشكال؟
أم أنا صرنا أعلم منهم بدين الله وأغير منهم على شريعته؟!
أليس حري بنا إخواني أن نعرف قدرنا وقدرهم، وأن نلزم غرزهم ونستنير بعلمهم؟ “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ” (الزمر:9).
لنتجرد أيها الإخوة الفضلاء ونقف مع أنفسنا وقفة صادقة، ولنتساءل: إذا كنا نحن أعلم بالحق منهم! فلماذا يأمرنا ربنا بالرجوع إليهم كلما نزلت بالأمة نازلة، ألم تقرؤوا قول الله تعالى: “وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ” (النساء:83).
أناشدكم الله أن تعودوا إلى رشدكم، وأن تعيدوا الثقة بعلمائكم، وأن تتواصلوا معهم، وإياكم ومن ينفر منهم ويسقطهم من أعين الناس، ويدعوا الناس إلى حزبه، فهؤلاء وإن كانوا صادقين فإنهم يسهمون في تقويض صروح الدعوة، ونكث الثقة وبث الفرقة وصرف الناس عن الخير، فيفتحون الباب للمرجفين والأعداء، ولهذا الصنف نقول إرعووا وهونوا على أنفسكم ولا تكلفوها ما لا تطيق؛ فإنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالكلام في قضايا الأمة العظام مما أوكله الله إلى الراسخين الذين عرفوا بالعلم والفضل والورع، واشتهرت مؤلفاتهم في الأقطار والأمصار، وشهد لهم بالعلم والفضل أقرانهم، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يُتطفل على هذا الميدان من هم دون ذلك أو أقرب منه.
وأستثني هنا بطبيعة الحال طلبة العلم الأخيار الذين حملهم اجتهادهم على مخالفة بعضهم بعضا، فهؤلاء لا تثريب عليهم وإن خالفوا الصواب، فهم مأجورون على كل حال، إن كانوا أهلا لذلك. لكن والحالة هذه عليهم أن يتفطنوا لما يجري من حولهم وأن يتنبهوا لما يقولون، فقد أدى كثرة اشتغال بعضهم بالرد على الآخر إلى تجرئة الشباب على علمائهم خصوصا وأن هذا الآخر قد يكون ممن يقول بقول الجماهير من أهل العلم المعاصرين، فصار الصغار يخطؤون الكبار، وصرنا نسمع كلاما من قبيل: “استنوا بالأموات فإن الأحياء لا تؤمن عليهم الفتنة”!
وهذا وإن كان قول أحد السلف فليس موضعه، فإن لعلمائنا الأحياء كل التقدير والاحترام، بل وشهد لهم فحول العلماء السابقين بالعلم والبذل والعطاء وأنهم أهل للاجتهاد والاستنباط، والرجوع إليهم فرض لا نجد له بدلا ولا نبغي عنه حولا.
وقد بلغني أن بعض الأخيار سمع فتوى لأحد أئمة الحديث من المعاصرين تخالف تصوره القاصر، فقال: “فلا نشك في علم فلان بل نشك في تصوره”، فيا لها من جرأة عظيمة نسأل الله السلامة منها!
وآخرون وصل بهم الحال إلى مقاطعة إحدى الجرائد المعروفة بدعوتها لمذهب السلف والمنافحة عن المصلحين والرد على أهل الزيغ والضلال، والدعوة إلى مكارم الأخلاق وجميل الخصال. والعجيب أن هذه الجريدة يكتب فيها نخبة من طلبة العلم وكثير من الغيورين، وأن المشرف عليها ممن عرف باتباعه للسنة وورعه وسمته، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. فهذا الفعل من أولئك الإخوة بلا شك غلو وزيغ وطغيان نسأل الله لنا ولهم الهداية.
فحري بكم يا طلبة العلم أن توقفوا هذا النزيف، وأن تنظروا إلى مآلات الأمور وعواقبها؛ وتتواصوا بالصبر وتتواصوا بالمرحمة؛ وأن تتحاوروا وتتشاوروا فيما بينكم عسى الله أن يؤلف بين قلوبكم ويجمع كلمتكم، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر؛ واربطوا الشباب بعلمائهم ولا تتركوهم حيارى لسان حالهم يقول: “من نسأل وإلى من نذهب؟”، سائلين المولى عز وجل الرشد والسداد لجميع المسلمين؛ آمين.