قلق وخوف ينتاب كثير من الناس من المستقبل، فالدلالات توحي بأن المستقبل يحمل في طياته صوراً وأشكالاً مفزعة ومخيفة، فمسببات الخوف كثيرة ومتنوعة: الخوف من الأمراض، ومن الفقر، ومن الحروب، ومن الجريمة، ومن الإخفاق، ومن الموت، ومن المجهول، وقد تكون هذه الصورة صحيحة للمستقبل، وقد لا تكون، إلا إنها تشكل خوفاً ورهبة شديدة في النفوس تزيل كل السعادة الآنية التي يعيشها المرء، وتدمر الطموح الدافع للرقي والتقدم، فالخوف يمنع الفكر عن التفكير السليم للاستنتاج والاكتشاف، والتحليل وإيجاد الحلول للأزمات التي تمر بها الأمة، وإذا سيطر الخوف على الإنسان قتله قبل أن يواجه الواقع الذي يرهبه.
وليس المطلوب منا كيف نتعامل مع هذا الخوف وإنما المطلوب هو اجتثاث هذا الخوف من عقولنا وأفئدتنا، فخوفنا أكثره أوهام طوقناه حول أنفسنا، وغرسناه في أنفسنا، ونسجناه في أفئدتنا؛ حتى أصبحنا نخاف من كل شيء حتى ظلنا، لهذا يتطلب الأمر إعادة التأمل في حقيقة الخوف والتأكد من صحة رؤيتنا له.
علينا أن نعيد النظر مرة أخرى في حياتنا لنتأمل: هل فعلاً ما نراه هو واقعي؟
إن لكل شيء في هذا الوجود وجهان إيجابي وسلبي، ونظرتنا يجب أن تكون متوازنة حتى لا يحكمنا تصور خاطئ، إننا نُتعب أنفسنا ونخطئ عندما تكون نظرتنا أحادية ناقصة، ونحن بهذا نخسر أكثر مما نكسب، فالحياة شئنا أم أبينا تتشكل من الخير والشر، والسعادة والشقاوة، وقد نتجه بقصد إلى أحد جوانب الحياة ونترك الجانب الآخر، وإذا كنا كذلك فنحن لا نعرف حقيقة الحياة بعد، وإنما نعرف نصف الحياة، وهذه النظرة النصفية تسبب لنا خيبة أمل، وتدمير لطموحاتنا، ومن طرق التغلب على الخوف هو التعرف على مصدر الخوف، فأنت لا تستطيع أن تتعامل مع الخوف ما لم تتعرف عليه، ويتطلب الأمر أحياناً مواجهة مصدر الخوف، فقد يكون الخوف من شيء ما أشد من الشيء نفسه، لذا أعط هذا الخوف الدرجة المستحقة من الاهتمام، وانظر نظرة شمولية إلى هذا المصدر، وتأمل الوجه المشرق فيه، فأكثر الناس مثلاً يخافون من الموت، وذلك لأنهم نظروا نظرة أحادية من جانب واحد، ولكن لو نظرنا إلى صورة الموت بصورة شمولية لوجدنا أن الموت طريق إلى الجنة – بإذن الله -، وهو راحة للمؤمن من هذه الحياة التي بُنيت على نكد وعناء؛ بل أن المؤمن في آخر الزمان يتمنى الموت ويطلبه فقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه)، وقال ابن مسعود: “سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه”، وكان سفيان الثوري إذا اغتمَّ رمى بنفسه عند وهيب، قال: فقال له: يا أبا أمية أتدري أحداً يتمنى الموت؟ قال وهيب: أما أنا فلا، قال له سفيان: أما أنا فوالله لوددت أني مت، ووالله لوددت أني مت قالها ثلاثاً.
فالصورة الإيجابية للموت تجعلك لا تخافه؛ بل تتجه إليه بكل قوة وإقدام، وبهذا الأمر انطلق عمير بن الحمام – وفي يده تمرات يأكلهن – قائلاً: “بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء” ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل، وهو يقول:
ركضاً إلى الله بغيــــــــــر زاد *** إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهـاد *** وكل زاد عرضة النفـــاد
غير التقى والبر والرشاد
ولم أجد حقيقة مثل الإيمان والتوكل على الله، والثقة به سبحانه للتغلب على الخوف بكل أنواعه، فالإيمان الصادق يوّلد في النفس الطاقة الدافعة لطرد الخوف، فتسكن النفس وتطمئن، ويشعر المرء بالأمان والاستقرار؛ لأن القلب قد تعلق بالله عز وجل فلا يرهب ولا يخاف إلا الله، قال جل ذكره: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
وإن كان الشر قد انتفش وكثر دعاته وأولياؤه إلى درجة النيل من مقدسات الأمة، فإن الأمل والاطمئنان يزداد في قلوبنا قال تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” والله حافظ دينه وأوليائه، والحق وأهله باق وظاهر لا تضره فتنة، ولا يضرهم من خالفهم أو خذلهم، فهم باقون في هذه الحياة حتى ينزل عيسى – عليه السلام – فيقتل الدجال، وأن هذه الأمة لن يسلط الله عليها عدواً من سوى أنفسهم فيهلكهم، ونحن مطمئنون لأن الأمر أولاً وآخراً بيد الله، وأنه لا يستطيع أحد أن يخرج من سلطان الله وإرادته، فكلهم مربوبون لله، فقراء محتاجون ضرورة لله، فنحن لهذا لا نخافهم ولا نرهبهم.