المنهج الرباني متميز عن غيره من المناهج الوضعية، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا في كتابه العظيم، أن نقتدي برسله الكرام فقال عز وجل: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً}[نوح:28].
ويقول إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:41]، ولما هدد آزر ابنه إبراهيم عليه السلام وقال: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً}[مريم: 46]، كان جواب إبراهيم عليه السلام: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً}[مريم:47].
ويقول عيسى عليه السلام: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً}[مريم:32].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:”زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت”.
والله سبحانه وتعالى أمر المسلمين ببر الوالدين، ولأهمية هذا الأمر وعظم شأنه فقد قرن سبحانه وتعالى برهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده، فقال جل ذكره:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}[الإسراء: 23].
وقد وصى الباري سبحانه وتعالى الإنسان بوالديه، وقرن شكره بشكرهما فقال جل ذكره: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].
إن بر الوالدين من أكبر الأدلة على الترابط الأسري والتكافل الاجتماعي الذي تميزت به الأمة الإسلامية عن بقية أمم الكفر، فالأسرة المسلمة تفخر بوجود الآباء والأمهات بينهم خاصة عند كبر السن, من الوفاء للآباء والأمهات ألا ننسى معروفهما، ولا نجحد فضلهما, لأن من كافأ على معروف أسدي إليه وهو لا يزال يعد نفسه مقصرًا تجاه صاحبه، كان أكثر الناس وفاءً ومروءة، والولد المغمور بأفضال والديه حريٌّ به أن يرى نفسه عاجزًا ومقصرًا ومدينًا تجاههما ولو بلغ في برهما أقصاه, لقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مسألة بر الوالدين عناية خاصة فترددت أحاديثه وتكررت وصاياه, ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمك”. قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أمك”، قال: ثم من؟ قال: “أبوك”.
إن بر الوالدين في حقك متأكد لما عرفته وعلمته من النصوص الشرعية، فقبّل رأسيهما صباحًا ومساءً، وتلطف في القول معهما، واجعلهما يعرفان منك وعنك المحبة لهما، والشفقة عليهما، والتوقير لجنابهما، وإدخال السرور عليهما، وكل ذلك لا يعد إلا ردًا لبعض جميلهما.
لقد ملأ سمع الناس اليوم حوادث كثيرة مؤلمة محزنة تنبئ عن عقوق الأولاد لآبائهم وأمهاتهم، فقد تواترت الأخبار عمن وضع أمه في الملجأ زاهدًا فيها!! وهناك من رفض الإفصاح عن أبيه في بعض المحافل الهامة لئلا يشوّه سمعته ويعير بفقره وأميته!! فوا أسفًا على الحمل والرضاع، ووا أسفا على السهر والبكاء، ويا ضيعة التربية والغذاء والعلاج والكساء.
قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتمًا *** فيـا ويح شخص غيـر خالقه أمّا
وأوصـاكم بالوالديـن فبالغـوا *** ببرهما فالأجـر في ذاك والرحما
فكـم بـذلا من رأفـة ولطافـة *** وكم منحا وقت احتياجك من نعما
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:23، 24]، فلا نامت أعين العاقين…