إن الله عز وجل أنزل كتابه وأرسل رسوله فبلغ لعباده شرعا محكما، لأنه من لدن حكيم خبير، فيه التيسير والرفق بالخلق، فرضي الله لهذه الأمة ما عليها من هدى وخير، إذ قال جل جلاله: “ورضيت لكم الإسلام دينا”، فالإسلام خاتم الأديان، وهو صالح لكل زمان ومكان إلى أن ترفع شرائعه، فتقوم الساعة.
إن الشرائع ظاهرة والأحكام جلية إلا على من في قلبه مرض، فيتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، فيجعل الحق باطلا، ويظهر الباطل حقا، أولئك المفتنون في دينهم الذين قال الله عز وجل في شأنهم: “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ” الكهف 104، أما من تمسك بغرز العلماء الربانيين الذين رضوا ما رضي الله لهم، وهجروا أهواءهم، فهم إن أفتوا أفتوا بتقوى وبخوف من الله لأنهم يعلمون أنهم يوقعون فتاواهم عن الله، إنهم قوم رضوا الهدي النبوي سراجا، وفهم الصحابة خير الخلق بعد نبيهم منهاجا، أولئك ورثة النبي صلى الله عليه وسلم فخذ نصيبك مما ورثوه.
إن الخير لا يزال في هذه الأمة ما عبدت ربها، واتبعت نبيها، والكثير من الناس في هذا الزمان فيهم خير ويبحثون عن الحق والموفق من وفقه الله، إلا أن البعض قد تعلقت قلوبهم ببعض الشهوات، ونخرت فيها بعض الشبهات، فإذا بينت الحق لأحدهم جادل وما صدق أن الحق هو الذي معك، فإذا سدد الله خطاك فأظهرته له جليا بحججه ودلائله وفحمت شيطانه، سلم لك بما قلت – إلا أن شبهة خبيثة أوحاها الشيطان الأكبر لأوليائه فنفثوها في تلك القلوب -، لكنه يقول: فأين البديل؟ إذا أردت أن نترك هذه الأعمال التي اعتادتها نفوسنا فما هو البديل عنها؟ فإذا بينت له البدائل الشرعية – لأن الشرع الحكيم قد كَمُل – والتعليمات الربانية، استثقلتها نفسه لأنها تعلقت بتلك الشهوات والشبهات.
فإذا قلت له مثلا: لا تختلط والتزم الضوابط الشرعية في ذلك، قال: ما البديل إذن؟
وإذا قلت له: لا تسمع الأغاني فالمعازف محرمة، قال: ما البديل، فالروح تحتاج إلى غذاء!
وإذا قلت له: لا تسلك طريق التحزب والسياسة، فإنها ليست من الكياسة، قال: ما البديل إذن؟
إن الذي ينبغي أن يعلمه المسلم هو أن الإسلام جاء لينص على البديل الإسلامي في الكثير من الأمور، غير أن الضابط في قبول أي بديل هو أن يكون منضبطا بالشرع الحنيف، لأن الكثير من الناس يصوغون لأنفسهم ارتكاب مخالفات بحجة أين البديل؟ وينسون أو يتناسون أنهم عباد لله يجب عليهم اتباع أوامره واجتناب نواهيه، لأنه لا يأمر إلا بما فيه خير لهم، ولا ينهاهم إلا عن ما فيه شر لهم، ثم إن العبد ليس له الخيرة في أمر قد اختاره مولاه، قال الله عز وجل: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ” الأحزاب 36.
بقلم: حسن التادلي