أقبل رمضان بخيره وخيراته، وفرح المسلمون بقدومه فهو الشهر العزيز على النفوس، المليء بالمواعظ والدروس، فكم من عاص تاب وأناب إلى ربه في هذا الشهر، وكم من القلوب المتنافرة تآلفت وتحابت من جديد في هذا الشهر، وكم من متهاون كسلان شمّر على ساعد الجد فأكثر من العبادة، فأحس بلذة السعادة.. إلا أن الناس مختلفون في حقيقة صيامه فالقلة من عقلت أن عبادة الصوم هي كف وحبس للنفس عن شهواتها ولذاتها التي أحلها الله لها في غير رمضان، فيستشعرون بذلك أن الصوم تدريب للنفس على الصبر واستشعار حال الفقر، فتسمو روحهم إلى الإعتراف بنعم الرحمن، وأنهم في ضعف فجل وعلا من تنزه عن النقصان.. هم قوم يجتنبون المعاصي والذنوب، وفي شهر رمضان يستبدلون المباح بالمندوب، فأولئك القوم لهم فرحتان، قال عليه الصلاة والسلام:”للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه”، فبعد انتهاء رمضان تلازمهم نسماته نصف عام، وفي النصف الثاني يبدأ الشوق إلى قدومه، فيعيشون عامهم كله رمضان.
وقوم فهموا من رمضان أنه كف عن الشهوات، وليس له من المعاني إلا أنه تكليف محض، فيقومون بشعائره من صيام وقيام دون استشعار ما للشهر من فضل وقدر عند الله عز وجل، فتجدهم يكفون عن ظاهر المعاصي في نهاره، ويجاهرون بها في ليله، كأن ليل رمضان ليس من رمضان..
وأما السواد الأعظم فهم من ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، ومن أراد أن يتيقن ذلك فليخرج إلى الأسواق ومجامع الناس، وليتتبع برامج التلفاز، فأحدث وأفضل وأروع (بمقياس إبليس) الكومديات، والمسلسلات، والأفلام عربية كانت أو أجنبية، وأجمل البرامج، تذاع في شهر التوبة والإكثار من العبادة، إلا أن هذا الصنف من الناس بدل أي يقبل على بيوت الله يبكي على ما اقترفه من المعاصي، تجده غارقا في أحداث ذلك اللهو الباطل، يقلب القنوات علّه ينتقي الأشر من ذلك السيل القذر..
وأما أسافل الناس فهم من لا يفرقون في عبادة أهوائهم بين رمضان وغيره من الشهور، فسائر أيام السنة أكل وشرب، ومجون ولهو، ودخان وخمر، وتسكع وسهر.. مع قرناء السوء، ويزدادون شرا في رمضان فيقيمون ليالي الرقص الصاخب، فلا ناه ولا معاتب..
هذه أصناف الناس في رمضان، فكن ممن لزم عتبة العبودية كي تفوز بالسعادة الأبدية، وتتنزه عن الأعمال البهيمية، فربك قد اصطفاك بالعقل، وكرمّك بحمل الأمانة، فلا تضيعها.
عادل أقصبي