قالوا الناس المعادن، فتأملت المعادن فإذا بها خرجت من مكان واحد ألا وهو الأرض، فهي تختلف كل الاختلاف وتتغاير عن بعضها البعض، فالذهب ليس نحاسا، والنحاس ليس فضة، والفضة ليست حديدا، والحديد ليس..
هذا من جهة الشكل والتكوين وكذلك من جهة القيمة فمنها الثمين والبخيس.
فما يلقاه هذا المعدن الثمين من الصيانة والعناية والحفظ ما لا يلقاه البخيس، فالمعدن الثمين تجد صاحبه يضعه في صندوق والصندوق في خزانة والخزانة في حائط في غرفة محكمة الإغلاق إلى غير ذلك من المبالغة في تحريزه وصيانته، وكذلك الناس أصلهم واحد: آدم وحواء عليهما السلام لكن منهم الثمين ومنهم البخيس.
فتجد الرجل يعامل زوجته وبناته خصوصا كجواهر ثمينة ذات قيمة، فيذود عن أعراضهن ويحفظهن ويستر عوراتهن ويحرص على تربيتهم تربية حسنة، فهو يحفظ هذه الجواهر الثمينة في حرز الحياء داخل لباس سابغ وحجاب واق في قلعة العفة الحصينة ذات أسوار الإسلام الشاهقة، معززة بحرس، وعين كالئة، ودعاء صادق بالصلاح والفلاح، ونهي عن ارتكاب الفحشاء والأرجاس، لأن الجوهرة لا تلقى في شارع معرضة للنهب والسرقة والاختلاس.
وآخر قد مسخ فهمه ونكس عقله واختل ميزانه، يعامل زوجته وبناته معاملة الصائغ لشوائب الذهب، يلقيها في قمامة الشهوات والشبهات ولا يأبه لهن، ويظن أن توفير المأكل والمشرب هو الأهم، بل هناك من يتعدى كل الحدود.
وقد تحسرت لما أصبحنا نراه من رجال باعوا بناتهم بثمن بخس، وآخرون دعوا عشيقا لبناتهم! بقناع ظاهره الحرية والانفتاح والحداثة وباطنه الدياثة ووأد الرجولة.
وآخر يَصحَب زوجته وابنته إلى شواطئ العري والمسخ عارية إلا من تبان وصدرية، تحت غطاء التقدم والانفتاح ونبذ التخلف والرجعية، ولكن يا حسرة على الرجال، ففاعل هذا لا يعدوا أن يكون ديوثا يرضى الفاحشة في أهله أو مغلوب على أمره لا يحرك ساكنا ومُسيطر عليه، في غياب قانون يحمي حقوق الرجال المغلوب على أمرهم والمهضومة حقوقهم!
ثم يأتي الخبر؟ رجل هتك عرض ابنته، وشاب اغتصب أخته، وأم تكره ابنتها على البغاء، وآخر يضاجع أمه.. إلى غير ذلك مما يتفطر له القلب وتبكيه العين دما.
ثم إذا نزل معهن السوق لا يشتر لهن إلا لباسا فاضحا يظهر الصدر والبطن والفخض، فهو تحت مسمى التفتح والتربية الغربية يعرضهن في معرض نصب على ظهره راية حمراء وقل فيه الحياء، وماتت في العفة، وانتصر فيه الانحلال والتهتك وبيعت فيه الأعراض بأبخس الأثمان.
فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة والله المستعان.