من أعظم الأشياء التي يسعد بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا هي امتثال أوامر الشرع واجتناب نواهيه والسير على المحجة البيضاء التي تركنا عليها سيد الخلق أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهذا يتجسد في الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاستقامة على شرعه، مما يكفل للعبد السعادة في الدنيا والآخرة، والفوز بالنعيم المقيم والخير العظيم، وفي ذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى: “إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ”، وقال تعالى:”فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” ويقول سبحانه:” فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ” وغير ذلك من الآيات، وسأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم “قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك فقال: “قل آمنت بالله ثم استقم” رواه مسلم.
يتبين لنا من خلال هذه النصوص أنها تدور على محور واحد وتلمح إلى أمر واحد ألا وهو الاستقامة، فما هي الاستقامة.
مفهوم الاستقامة:
لقد تعددت أقوال السلف الكرام في معنى الاستقامة فمنهم من فسرها بالطاعة ومنهم من فسرها بالتوحيد ومنهم من فسرها بأداء الفرائض، وآخرون بالإخلاص.. ويمكن جمع هذه التعاريف وبلورتها بقولنا:
الاستقامة هي: استقامة القلب على التوحيد وسلوك الصراط المستقيم الذي هو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة، ويدخل في ذلك استقامة الجوارح على فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، وأصل هذا كله يرجع إلى القلب كما تقدم، فإذا استقام هو على شرع الله تبعته في ذلك الجوارح إذ هو الملك وهم الجنود، فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وإن كان هذا حال القلب مع الاستقامة فإن أعظم ما ينبغي استقامته بعده هو اللسان، ويروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما عند الإمام أحمد من حديث أنس- أنه قال: “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”.
ولن أطيل في ذكر آفات اللسان وما يجره على المرء من ويلات فأمره معلوم ولا ينقصه سوى التطبيق، ويكفي في ذلك قوله عليه السلام: “وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم” الترمذي، وقوله:”أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك”.
ولما كان من طبع الإنسان السهو والنسيان وأنه لا يستطيع الاستقامة على حال واحدة وأنه لا بد أن يقع منه تقصير فيما أمر به، أمره العليم الحكيم بالاستغفار بقوله “فاستقيموا إليه واستغفروه” ليجبر ذلك التقصير والخلل فيكون دائما على صلة بالله.
فما علينا معاشر المسلمين إلا أن نتمسك بحبل الله جميعا ونستقيم على شرعه، حتى نحظى بالسعادة في الدنيا والآخرة، ونكون مستحقين لنصر الله لنا وحفظه لنا، فلن يرتفع عنا ما نحن فيه من ذل وهوان إلا بالرجوع إلى دين الله كما أخبر الصادق المصدوق في غير ما حديث.
هذا والحمد رب العالمين. والله الموفق للصواب وهو من وراء القصد.
إلياس العثماني