لا جرم أن الشريعة الإسلامية الغراء حرمت الظلم بجميع أنواعه، وسنت أحكاما شرعية تعاقب كل من خالف أو شذ عن منهج الله تعالى في ذلك، فقد تضمن القرآن الكريم آيات كثيرة تجرم الظلم وتعد الظالمين بسوء المعاد يوم القيامة منها قوله تعالى: “لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ” سورة غافر، وأوضحته سنة المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه، عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا”، فاشتمل الحديث على ثلاثة مراتب من التحريم لهذا الفعل الشنيع هي:
أولا: تحريم الله جل في علاه الظلم على نفسه.
ثانيا: تأكيد ذلك بأن الله جعل الظلم بين البشر محرما.
ثالثا: النهي الصريح عن ارتكاب الظلم.
فإذا ما عطفنا زمام القلم إلى ما يحدث الآن في واقع أمتنا الإسلامية وخصوصا ما وقع ويقع بمصر وسوريا فإننا نرى التعدي الصارخ والاجتياز الجريء على كل المبادئ الشرعية والإنسانية، ولكل الخطوط الحمراء التي لا يختلف فيها أحد من البشر على وجه البسيطة، وهي حرمة الظلم وتجريم سفك الدماء وإزهاق الأنفس البريئة بغير حق، ولكن مع ذلك كله رأينا ونرى ما قام به النظام السوري والجيش المصري من تفنن في أساليب القتل والترويع والإجرام، وتقف الكلمات عاجزة ذليلة لا تستطيع وصف ما جرى ببلاد الشام ومصر أرض الكنانة، ولو استنطقنا المعاجم كلها، بل اللغات كلها، لكي تصف لنا ما وقع لما استطاعت من هول الوقع وجلالة الخطب.
أما عنوان المقال الذي اقتطفته من كلمة صدرت عن حرة من حرائر مصر الحبيبة عبرت فيها عن كامل فرحتها بنجاح ثورة 25 يناير، والتي قالت فيها بتمامها: “أشكر الجزيرة، وأشكر تونس، ما فيش ظلم ثاني..!!، ما فيش خوف ثاني..!!”، والتي لربما يتذكرها جل القراء الكرام، ولكن وكما هو معلوم أن الإنسان لا يعلم الغيب، فإنها عندما تفوهت بها لم تكن تعلم أن الأمور ستؤول إلى هذه الأوضاع المأساوية الخطيرة.
وإني أرجح أن يكون مبدأ هذا الفعل الشنيع وهذا المخطط الانقلابي الرهيب ابتدأ عندما تقدم الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل بملف ترشيحه لرئاسة جمهورية مصر العربية، وبعد أن أجرى مساجلات ولقاءات عدة في برامج وقنوات متنوعة، الإسلامية منها والعلمانية، واستطاع في تلك الآونة أن يكتسب تعاطفا جماهيريا كبيرا من مختلف محافظات مصر كلها، وكذلك استطاع أن يقنع الرأي العام المصري بمشروعه، وفوجئ بعد ذلك بمدة قصيرة بأن ملفه مرفوض بحجة أن أمه تمتلك جنسية أمريكية!!
استطاع الشيخ حازم أن ينفي كل ذلك بالوثائق والأدلة والحجج والبراهين الكافية، ولكن فلول النظام السابق ليس من مصلحتها، أن يترشح شخص مثل حازم لهذا المنصب.
مرَّ هذا الموقف طبعا باستغراب كبير من طرف كل المتتبعين للوضع المصري آنذاك، ولكنهم علموا أن الأمر دبر للشيخ أبي إسماعيل ليلا، وذلك من خلال كل تصريحاته الجريئة حول الأمن والجيش المصريين، والتي تخوف من خلالها بأنه إذا ما قدر الله وآلت الأمور إلى الجيش فإنه سيكون فساد عظيم، وكذلك استطاع أن يقف في وجه كل من تسول له نفسه المساس بهوية مصر الإسلامية والعربية، من دعاة الفرعونية من العلمانيين.
وكما يقول علماء الاجتماع “إن معرفة الماضي شرط لفهم الحاضر”، والماضي الذي ينبغي علينا استحضاره جيدا هو زمن طه حسين وأتباعه من العملاء الذين أرادوا في ذلك الوقت أن يمسوا بهوية الدولة المصرية بقيادة خفية من فرنسا من خلال حملة نابليون بونابارت، فشككوا في القرآن الكريم، وأرادوا النيل من اللغة العربية، بل وأصبحوا ينكرون حضارة العرب المسلمين بمصر، ودعوا إلى الرجوع إلى الحضارة الفرعونية، كما دعا العلمانيون عندنا إلى الرجوع إلى الحضارة الأمازيغية لأنها هي الأصل.
فوا عجبا لزمن المتناقضات!! فتارة يخرج العلمانيون علينا بأوجه الدفاع عن حقوق الإنسان وعن حقه في الحياة والتعبير عن رأيه، ولكن عندما يتعلق الأمر بالإنسان المسلم إذا أبصارهم قد عميت وآذانهم قد صمت وألسنتهم قد خرصت، وتارة أخرى يظهرون مدافعين عن حقوق المرأة وعن مكتسباتها، فإذا هم يتواطؤون في اعتقال عدة حرائر من نساء مصر، وتارة يصفون من يقفون ضد معتقداتهم ونفاقهم وأوجههم المتعددة، بالرجعيين والظلاميين فإذا هم ينادون بالرجعية والظلامية، ينادون بالفرعونية والأمازيغية في بلاد شهدت أعظم الحضارات في التاريخ الإنساني ولن تشهد أعظم من الحضارة الإسلامية أبدا.
فعندما أتى زمن الرجوع إلى تلكم الحضارة الفرعونية، استطاعوا بفعل انقلاب جيش السيسي أن يرجعوا إليها فعاثوا في الأرض فسادا وقتلوا الرجال والولدان وذبحوا الشيوخ والنساء، وحرقوا الشباب والمساجد والمستشفيات، مستعملين في ذلك كل قوتهم على منهج فرعون الذي حدثنا الله تعالى عن فساده في مثل قوله: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” سورة القصص.
فلا عجب إذاً من أن ترى النظام العسكري المصري، مع الفاشية العلمانية وزد عليه إعلام الفتنة وأموال الخونة وكذا علماء البلاط؛ يشكلون معا قوة ضاربة راموا من خلالها سحب الشرعية من أهلها والانقلاب والخروج عن الرئيس الشرعي المنتخب بمعايير ديموقراطية، ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث كما شهد بذلك بعض المحللين السياسيين.
ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل أعلنوا بكل وقاحة للشعب المصري بأن رئيسهم القديم بريء، وأن رئيسهم المنتخب مدان بتهم عديدة من بينهما التواطؤ مع حماس!!
وإني أريد أن أوضح في آخر هذا المقال أني هنا لا أريد الدفاع عن أحد، ولم أنصب محاميا عن الإخوان المسلمين، لأنني بكل وضوح لست إخوانيا ولكنهم إخواني، ولأني أريد بهذه الكلمات وجه الله عز وجل إذ لم أستطع نصرتهم بغير هذه الكلمات اليسيرة، وكذلك هالني عظمة الجرم، وشناعة المذبحة، وجسامة المحرقة التي تعرضوا لها، وفي النهاية أريد أن أقول: “بأن الظلم ما زال وبأن الخوف ما زال”، ما لم يمكن الصالحون المصلحون من أبناء الوطن، وما لم يضرب على أيدي الطغاة المفسدين بمصر وبسوريا وبجميع بلاد المسلمين، إذ لا أمن ولا أمان بغير تحكيم شريعة الله تعالى في كل تلكم الديار والبقاع الإسلامية، وأختم بالنداء القرآني لأهل الإيمان: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” سورة محمد.