سلسلة: قراءة في كتاب (4) أبو معاوية طيب العزاوي

العنوان: طلائعُ الغزو الفكري مرابطة في مؤلفات الخلف
المؤلف: الشيخ الدكتور وجاج الحسن -من علماء سوس-
الأجزاء: جزء صغير في ثمانية وأربعين (48) صفحة
المحتويات: مقدمة ونماذج عشرة -على غرار فصول الكتب- وخاتمة.
المقدمة: بين فيها الشيخُ حفظه الله أن موضوعَ الكتاب موضوعٌ ذو طبيعة تاريخية نقدية لتراث المسلمين طيلة ألف سنة، وغرضُه من الرسالة التذكيرُ ببعض ما أُلصق بالإسلام منذ القدم والإسلامُ منه بريء.
وقد شرح الشيخ ما يكتنف عنوان الرسالة من الغموض مع توضيح غرضه من وراء كلماته، فقال حفظه الله: “أما “الطلائع” فمرادي بها الأفكارُ والمناهج المستوردة، وبالأخص تلك الأفكار والمناهج التي كانت أجنبية عن الإسلام ثم صارت منه بسبب استحسان الخلف لها، حتى أصبحت تُعرض اليوم على أنها قواعد مسلمة وإجماعات منعقدة، وإنما سمَّيتُها طلائع لأنها قديمة ولأنها مهدت لقبول كل الأفكار التي أقحمت في الإسلام وتقحم إلى الآن.
وأما “الغزو الفكري” فمرادي به تسرب تلك الأفكار والمناهج إلى عقول المسلمين وكتبهم عن حسن نية أو سوء نية، ثم استقرارها فيها، ثم اعتقاد الخلف أنها من صميم الإسلام.
وأما “مؤلفات الخلف” فمرادي بها غالب الكتب المتداولة اليوم في العقيدة والتفسير والفقه وأصول الفقه والحديث والسيرة وغير ذلك”.
ثم ذكر الشيخ حفظه الله ما يقرِّب إلى أذهان القراء معاني بعض المصطلحات الواردة في الرسالة، وهي كالتالي:
– أهل السُّنة: والمراد بهم المسلمون الذين اجتمعوا على الحق الثابت بالكتاب والسنة، وهم الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون في القرون الأربعة الأولى من الهجرة.
– أهل الأهواء والبدع: والمراد بهم الفرق الضالة المتطرفة كالجهمية والقدرية والجبرية والباطنية من أهل الكلام “لأن الصراع -يقول الشيخ- في القرون الأربعة الأولى حول فهم معاني الإسلام كان بين أهل السنة وبين هؤلاء المتطرفين”.
– خلف أهل السنة: والمراد بهم من تأثر بأفكار ومناهج الفرق الضالة من علماء القرن الخامس الهجري إلى اليوم.
– بقية السلف من أهل السنة: والمراد بهم العلماء الملتزمون بمنهاج أهل السنة من علماء القرن الخامس الهجري إلى اليوم.
النموذج الأول: علم الكلام: ذكر الشيخ حفظه الله أن علم الكلام من العلوم التي تدرس بالجامعات الإسلامية إلى اليوم وتُقدم إلى شبابنا على أنها أصيلة في الإسلام، بعد أن صاغتها لجان أكاديمية في منظومة عنونتها بالفكر الإسلامي، والتي تتكون من علم الكلام والفلسفة والتصوف، ولإثبات أن علم الكلام ليس من الإسلام -رغم أنه يُدرس في المعاهد الإسلامية ألف سنة وزيادة- نقَلَ الشيخُ حفظه الله أقوالَ علماء السلف وشهادةَ التائبين من الاشتغال به.
– فمن أقوال علماء السلف: قول الإمام ابن خويز منداد المالكي رحمه الله “أهلُ الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا -أي المالكية- أهلُ الكلام، فكلُّ متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع، أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويُهجر ويُؤدب على بدعته، فإن تمادى استتيب منها”.
وقول أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، لبشر المريسي: “العلمُ بالكلام هو الجهلُ، والجهلُ بالكلام هو العلمُ”، وقول الإمام الشافعي رحمه الله: “حُكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال ويُطاف بهم في القبائل والعشائر، ويُقال هذا جزاء مَن ترك الكتابَ والسنة وأقبل على الكلام”، وقول الإمام أحمد والإمام ابن المديني رحمهما الله: “إنَّ مَن خاض في شيء من علم الكلام لا يكون سُنِّيا وإن أصاب بكلامه السنة، حتى يدعَ الجَدَل ويُسلِّم للنصوص”.
– أما من أقوال التائبين من الاشتغال بعلم الكلام، فقول ابن رشد رحمه الله في كتابه “تهافت التهافت”: “ومَن الذي قال في الإلهيات شيئا يُعتد به”، وقول الغزالي رحمه الله في كتابه “إحياء علوم الدين”: “وأما منفعته فقد يظنّ أن فائدته كشفُ الحقائق على ما هي عليه وهيئتها، فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل أكثر مِن الكشف والتعريف”.
وقول محمد بن عمر الرازي رحمه الله: “لقد تأملتُ الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن… -إلى أن قال- ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي”؛ ثم نقل الشيخ كلاما نفيسا للإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله -من شرحه للعقيدة الطحاوية- في شرح سلبية علم الكلام، فارْجِع إليه غير مأمور.
النموذج الثاني: علم المنطق: بين الشيخ حفظه الله أن علم المنطق عرفه المسلمون من يوم عرفوا علم الكلام، لأنه آلة علم الكلام وقانونه، وأقروا دراسته في المعاهد العلمية، واستحسنوه وانخدعوا بمقدماته وأشكاله وحدوده، بل جزم الغزالي في مقدمة كتابه “المستصفى” بأنه قانون العلوم كلها، وأن من لم يعرف المنطق لا ثقة بعلومه!!
وللتأكد من كون علم المنطق دخيلا على الإسلام، أشار الشيخ حفظه الله إلى الصراع الذي دار بين علماء السلف وعلماء الخلف في شأنه، ومن علماء السلف الذين حرَّموا دراستَه الإمامُ ابنُ الصلاح والإمامُ النووي رحمهما الله، وإليه أشار الأخضري في “السلم” بقوله:
فابنُ الصلاح والنووي حرَّما ::: وقال قوم ينبغي أن يُعلما
والقَولـةُ المشهورةُ الصحيحة ::: جـوازُه لكامِـل القَريحـة
وممَّن كره دراستَه والاشتغال به: الإمامُ السيوطي رحمه الله، القائل:
قالوا تعلَّم منطقا تسْموا به ::: وبه إلى أعلى المراتب ترتقي
فأجبتُهـم مـالي بذلك حيلـة ::: إنَّ البـلاء مـوكـل بـالمـنـطـق
ومن علماء السلف الذين أبطلوا المنطق، ونقضوا حدوده وأشكاله، وأثبتوا تهافته بناء على قواعد المنطق نفسها: شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه “الرد على المنطقيين”.
النموذج الثالث: تأويل صفات الله من طرف المؤولة من المسلمين: بين الشيخ حفظه الله أن عملية التأويل تتكون من مراعاة أحكام العقل ومن مقتضى الحقيقة والمجاز، وبين أن مراد المؤولة من الأخيرَين التمويهُ بأن ظاهر اللفظ مجاز، وأن تأويله وصرفه عن ظاهره هو الحقيقة، وأما العقل فدوره أساسي، لأن المقصود من عملية التأويل هو الاستجابة لأحكام العقل على حساب نصوص الوحي، ومعنى ذلك في نظرهم -يقول الشيخ- هو أن ظاهر نصوص الوحي غير مراد، ومن ثم يجب صرفه عن ظاهره ليوافق أحكام العقل، بل أعلن الصاوي وهو من الخلف أن الأخذ بظاهر القرآن أصل من أصول الكفر!! وقد فنَّد الشيخ هذا الباطل وغيره بكلام أئمة الإسلام الأعلام، مع ذكر بعض كتبهم رحمهم الله ككتاب “الإيمان” لأبي عبيد القاسم بن سلام، و”الرد على الزنادقة والجهمية” للإمام أحمد بن حنبل، و”الرد على الجهمية” للإمام البخاري، و”الرد على الجهمية” لابن قتيبة، و”الرد على الجهمية” للإمام عثمان بن سعيد الدارمي، و”الرد على بشر المريسي” للإمام الدارمي أيضاً، وغيرها من الكتب النافعة والمتينة بأدلة الكتاب والسُّنة السَّنيِّة.
النموذج الرابع: مسألة أول واجب على المكلف: بين الشيخ حفظه الله أن أول واجب على المكلف هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، للأدلة الكثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: “إنك تأتي قوما أهل كتاب، وأول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله…” الحديث، وهو في الصحيحين، وقوله صلى الله عليه وسلم: “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله…”، قال الشيخ: “ولما انتهى الأمر إلى الخلف غيّروا هذا الأصل، ووضعوا مكانه وجوب معرفة الله بواسطة النظر العقلي والبرهان الكلامي والمنطق اليوناني”، وقد أجلى الشيخُ عن هذه المسألة ما شانَها من الباطل والزيف حتى غدت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
النموذج الخامس: حجية خبر الآحاد: نقل الشيخ حفظه الله ووضَّح أقوالَ العلماء الثقات: إن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير علماء الأمة، وإن طريقة أهل السنة في إثبات العقائد لا يعدلون عن النص الصحيح، ولا يعارضوه بمعقول ولا قول فلان، وجميع أهل الحديث على ما ذُكر، وأما الخلف فقد غيَّروا هذه الطريقة وأحدثوا الفرق بين المتواتر والآحاد في إثبات العقائد، بل زعم أحدهم أن مسألةَ أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن، وأن هذا محلُ اتفاق وإجماع بين المسلمين!!
النموذج السادس: بدعة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال: قال الشيخ حفظه الله: “هذا الأمر من الأغلاط التي صاغتها عقول جماهير الخلف من المسلمين، والسبب في ذلك أنهم لم ينتبهوا للتطور الذي حدث في تقسيم الأحاديث قبل الترمذي وبعده، فقبل الإمام الترمذي كان المحدثون يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف، وبعده صاروا يقسمونه إلى صحيح وحسن وضعيف، فالضعيف في التقسيم القديم يشمل الضعيف المجبور الذي يسمى الحسن بعد الترمذي ويشمل الضعيف المتروك، ومن أجل ذلك لم يعرفوا مراد الإمام أحمد رحمه الله من قوله “الحديث الضعيف أفضل عندي من رأي الرجال”، ولم يضبطوا مقصوده “إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في غير ذلك تساهلنا”، ولم يُدركوا مغزى قول أهل الحديث “مَن أسند لك فقد أحالك”، وقولهم “من أسند لك فقد برئت ذمته”. ثم شرع الشيخ في التفصيل وبيان الصحيح في المسألة.
النموذج السابع: التصحيح الكشفي والتضعيف الكشفي: بين الشيخُ حفظه الله بالأدلة والبراهين خطورةَ وغرابةَ وشناعةَ هذه البدعة، وأن خطرها يتجلى في كونها نَسفا لعلوم الحديث كلها، فهي نسفٌ كُلِيٌّ لعلوم الحديث، وانخداعٌ بأوهام غلاة الصوفية.
النموذج الثامن: البدعة الناشئة عن المذاهب الفقهية: يقول الشيخ حفظه الله: “نحن لا نشُك أن المذاهب الفقهية في أول أمرها مجهودات متكاملة بالنظر إلى وحدة مصدرها ومناهجها، كما لا نشكُّ أنها جبهات متباغضة متقاتلة بالنظر إلى أتباعها وأزمانها وأماكنها، فالنظرة الأولى تولد الإعجاب بسعة أفق التفكير عند فقهاء الإسلام، والنظرة الثانية تولد الأسف الشديد على ما أصاب نفوس أتباع المذاهب من التحجر والبلادة والكراهية والتفرق والعداوة بين أتباع كل مذهب وأتباع مذهب آخر.
ثم نقل الشيخ كلامَ بعض المتعصبة من مصادرها، وكلامَ العلماء الربانيين في دحضها ونسفها وإبطالها، فاظفرْ بهذا الفصل النفيس نوَّر اللهُ دَرْبك.
النموذج التاسع: بدعة اعتبار النقد العلمي طعنا في العلماء أو غيبة يجب على المسلم اجتنابها: بين الشيخ حفظه الله أن هذا النموذج يعتبر دعوة عامة إلى السكوت عن أخطاء العلماء، وتركا واضحا لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد كان السلف -يقول الشيخ- يُبيِّنون أخطاء العلماء نُصحا للمسلمين، ولذلك وُضع علم الجَرح والتعديل في نقد الرجال.
ثم بين حفظه الله الفرق بين الغيبة المحرمة والنصيحة الواجبة.
النموذج العاشر: جهل الخلف بالانقلاب الخطير الذي وقع في طرق تلقي العلم الإسلامي: بين الشيخ حفظه الله أن هذا الجهل هو الذي جعل المتأخرين من الخلف يستسيغون مناهج وطرق شيوخهم الأقربين ولو كانت مخالفة لمناهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.
الخاتمة: أعلن فيها الشيخ حفظه الله أنه لا خيار لأحد من المسلمين في ترك طريقة السلف في فهم الإسلام بعد أن أوعد الله المخالفين لسبيلهم، بقوله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
بارك الله في الشيخ وفي سعيه، ونفع به الأُمة وكشف به الغُمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *