بنو علمان يوالون ويعادون من أجل الديمقراطية والعلمانية، ويعتبرون القيم الغربية «معلوما بالضرورة من دينهم الديمقراطي العلماني».
فهم يعتبرون أن الديمقراطية «لا تختزل» في صناديق الاقتراع إن تعلق الأمر بفوز الإسلاميين، فلا يجوز في فهمهم أن تمكن هذه الصناديق الأغلبية من فرض تصورها وقيمها على الأقلية، بينما هم يفرضون تصورهم وقيمهم العلمانية فرضا على الشعب بأغلبيته وأقليته حتى قبل الانتخابات، وهذا عين المنطق عند القوم، ولا يجدون غضاضة في الترويج له، مع أنه عين التناقض، وعين الإقصاء بآلياتهم هم أنفسهم، لأن التناقض من صميم أفهامهم.
فإذا خانتهم صناديق الاقتراع، تحدثوا عن ديكتاتورية الأقلية، وإن حالفهم «الحظ»، مارسوا ديكتاتورية الأغلبية، متمثلين بعمل المنشار الذي يقطع نازلا أو صاعدا، أي أنهم، وهم أقلية تحميهم الديمقراطية، وإن كانوا أغلبية فهم صوت الشعب، ومن خالفهم فقد خالف الشعب، ومن خالف الشعب فهو عدوٌّ له.
غير أن هذا المنطق لا يسري على الإسلاميين، كانوا أقلية أو أغلبية، لأن غاية بني علمان ليست تطبيق حتى ما يؤمنون به على خصومهم، بل غايتهم هو إقصاء هؤلاء الخصوم، واغتيالهم معنويا، أو حتى وجوديا، كما أفصح عن ذلك، بكل غل وحقد، أحد كويتبيهم، حين دعا إلى إرسال كل شيخ يحرض على الجهاد، هو وأبناؤه الراشدون، إلى الجبهات، ووضعهم في الخطوط الأمامية، بدعوى تقديم ثمن فتاواهم، وتقديم العبرة لغيرهم.
هكذا «أفتى» بجعل الشيوخ وأبنائهم ذروعا بشرية، تحميه وأمثاله من مقارعة الحجة بالحجة، ليخلو لهم السبيل لممارسة عربدتهم «الفكرية»، دون أن يسأل نفسه عن شروط الفتيا التي، قطعا، لا يتوفر على أدناها، ودون النظر إلى أسباب استحلال دم المسلم في الإسلام، هذا فضلا عن أنه وجوقته يناضلون من أجل منع استحلال دم الإنسان سواء أكان قتلا شرعيا، أو إعداما وضعيا، فيقع في الإقصاء والتناقض آنفي الذكر.
كما دعا إلى وجوب تجريم فتاوى التكفير والتحريض على «الجهاد»، هكذا بين مزدوجتين.
فعوض تجريم من يقع في الكفر، وتجريم الجرائم المقترفة في حق الشعوب، يتم تجريم الضحايا، والإعلاء من شأن المجرمين في حق العقيدة وحق المسلمين. قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) محمد:30.
ولو كان هذا الغر يؤمن بذروة سنام الإسلام، الذي وضعه بين مزدوجتين في مقاله لحاجة في نفسه، لتحدث عن ضوابط الجهاد وشروطه، لكن همه هو القضاء على الجهاد وأهله معا، وهيهات هيهات، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، لأن النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاتزال طائفةٌ من أمَّتي يقاتِلونَ على الحقِّ، ظاهرينَ على مَنْ ناوأَهم، حتى يقاتلَ آخرُهم المسيحَ الدجالَ» قال الألباني رحمه الله في تخريج مشكاة المصابيح، صحيح على شرط مسلم.
إن الردة عن الديمقراطية في دين بني علمان ذنب لا يغتفر، وكبيرة الكبائر، لكن الردة عن الإسلام حرية معتقد، لأن حماية الحريات هي جوهر الديمقراطية في عرفهم، ومن ضمن هذه الحريات، حرية سب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
لكنك في خضم هذا الجدل تراهم كثيرا ما يتباكون على المذهب المالكي، ضدا على «المذهب» الوهابي فيما يزعمون، لجهلهم أو تجاهلهم أن الإمامين يصدران من مشكاة واحدة، دون أن تراهم يطبقون شيئا مما تدعو له المالكية، لأن ضرب الإمام محمد بن عبد الوهاب بالإمام مالك، ليس المقصود منه عندهم حماية مذهب إمام دار الهجرة، والذود عن حياضه، ولكن المقصود هو التخلص من الأول للتفرغ للثاني.
قال القاضي عياض اليحصبي المالكي (ت:544هـ) في كتابه الشفا ج2/214: «من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له… قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له… ومن شك في كفره وعذابه كفر» اهـ.
ودموع التماسيح التي يذرفونها على الإمام مالك تظهر حقيقتها لما تسمع أحد أشقيائهم يقول بأن: «السعي إلى استعادة الدولة الدينية وسلطة الفقهاء ووصايتهم على المجتمع رهان مآله أيضا الفشل الذريع».
وقال الشيخ أبو عبد الله محمد أحمد عليش المالكي مفتي الديار المصرية الأسبق (ت:1299هـ) في منح الجليل على مختصر العلامة خليل ج9/205 ما نصه: «وسواء كفر بقول صريح في الكفر كقوله كفر بالله أو برسول الله أو بالقرآن أو إله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو العزير ابن الله أو بلفظ يقتضيه أي يستلزم اللفظ للكفر استلزاما بينا كجحد مشروعية شيء مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإنه يستلزم تكذيب القرآن أو الرسول، وكاعتقاد جسمية الله وتحيزه.. أو بفعل يتضمنه أي يستلزم الفعل الكفر استلزاما بينا كإلقاء أي رمي مصحف بشيء قذر». اهـ
وقال أيضا في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، ج2/348: س: ما قولكم في رجل جرى على لسانه سب الدين (أي دين الإسلام) من غير قصد (أي من غير قصد الخروج من الدين) هل يكفر؟
فأجبت بما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، نعم ارتد، وفي المجموع ولا يعذر بجهل. اهـ
ويعتبر ابن أبي زيد ﺳﺎﺏ ﷲ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻣﺮﺗﺪﺍ ﻭﺯﻧﺪﻳﻘﺎ ﺍﻟﺬﻱ يسر ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻛﺬلك ﻻ ﺗﻘﺒﻞ ﺗﻮﺑﺘﻪ.
وﺳﺄﻝ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻣﺎﻟﻜﺎ في ﺭﺟﻞ ﺷﺘﻢ النبي صلى الله عليه وسلم، ﻭﺫﻛﺮ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺃﻓﺘﻮﻩ بجلده ﻓﻐﻀﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﻭﻗﺎﻝ: «ﻳﺎ أمير المؤمنين ﻣﺎ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻷﻣﺔ ﺑﻌﺪ ﻧﺒﻴﻬﺎ؟ ﻣﻦ ﺷﺘﻢ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻗﺘﻞ، ﻭﻣﻦ ﺷﺘﻢ ﺃﺻﺤﺎﺏ النبي صلى الله عليه وسلم ﺿﺮﺏ».
هذه أقوال فقهاء المالكية، فما قول وزارة الأوقاف؟
وما قول أحمد التوفيق؟
أم أن مالكيته ومالكية وزارته غير مالكية هؤلاء العلماء؟
هل الديمقراطية والعلمانية تمنعه من الوقوف إلى جانب العلماء الذين من المفروض أنه ينتمي إليهم، بحكم منصبه الذي ترفع وزارته شعار فقه مالك.
وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه، وذلك لمصلحة العباد، وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وليس لآحاد الناس ذلك، حتى لا يشاغب أي كان، مصطادا في الماء العكر.
لكن «المنافحين» عن المالكية ضد الوهابية، لا تهمهم نصوص علمائها، ولا يلتفتون إلى مناقشة الأمور بميزان الشرع، أو بآليات الفقهاء، لأن الإسلام عندهم مجرد واجهة يزينون بها أفكارهم الوضعية، ولأن أشدهم تطرفا يعتبر أن النصوص المقدسة نفسها عرضة للتأويل والتفسير بل وحتى للتعطيل بسبب ضرورات الوقت، فما بالك بما دونها.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» أخرجه البخاري.
وَعَنْ أبي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ قَضَاءُ الله وَرَسُولِهِ؟ متفق عليه.
هل يريد بنو علمان أن نبدل ديننا من أجل علمانيتهم؟
وهل تكشف وزارة الأوقاف عن موقفها؟
هل هي مع ما جاء به الإسلام؟
أم هي مع تخرصات العلمانية؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاه كفار قريش إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، أنزل الله عليه سورة الكافرون، في رفض بات وتام لما يسميه بنو علمان بالاختلاف.
غير أن هذا المفهوم لا يعني عندهم، عند التمحيص إلا إقصاء الخصم، وفرض النموذج العلماني عليه، فإذا كان كفار قريش قد «قبلوا» بأن يقتسموا العبادة بينهم وبين المسلمين، ومع ذلك كان الرد الإلهي حاسما، فإن بني علمان يرفضون أي أمر يأتي عن طريق دين الإسلام، لهذا يقول أحدهم: «لقد فهم الإسلاميون ما هو كوني، انطلاقا من مفهوم تراثي هو «الإجماع»، وهو مفهوم ساد أيام الدولة الدينية الجامعة المانعة، أما اليوم فهو مفهوم غير ذي مردودية تذكر، في عصر النسبية والثروات العلمية والأنظمة الديمقراطية».
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة:217.
وقال أيضا سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ محمد:25.
وقال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ النساء:65.
فهل الإسلاميون هم الذين أنزلوا هذه الآيات؟
أم أن الآيات القرآنية هي الأخرى محكومة بتاريخانية النصوص، مما يجعلنا نعود إلى المربع الأول.
إن الله خالق الروح ومانحها، وهو الذي له الحق وحده سبحانه في سلبها، ومن اعترض فليجدد إيمانه، أو لا يلومن إلا نفسه، وهو في الآخرة من الخاسرين.
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في «مقالات الإسلاميين»: «كان العالم يوم بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق يتيه في بيداوات من ظلَم الجهل والتقليد، وفوضى الأخلاق، وانتكاس أسس الاجتماع».
وهذا الوصف ينطبق تماما على بني علمان فهم في بيداوات من ظلم الجهل بالإسلام وتقليد الغرب، وفوضى الأخلاق، مما سيؤدي إن خلي لهم السبيل بسكوت أهل العلم إلى انتكاس أسس الاجتماع.