وفي وضع كهذا لابد أن يتكلم المصلحون ويأخذ بأيدهم المسؤلون لأنهم صمام أمان من أي عقوبة عاجلة أو آجلة ولولاهم لهلك الناس من زمان، وقد قال ربنا الكريم خالق الخلق والمتصرف فيهم بمشيئته التي لا تردها التخطيطات ولا الاستشرافات: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” هود. فربنا سبحانه قال: “مصلحون” لأن صلاحهم لهم ولغيرهم ولم يقل عز وجل “صالحون” إذ صلاح الصالحين لأنفسهم فقط؛ بل إنهم في خطر لأن الفتنة إذا نزلت لا تصيب الذين ظلموا خاصة وهو ما يدل عليه الحديث بداية المقال.
عنْ زيْنب بنْت جحْشٍ رضي الله عنْها: أن النبي صلى الله عليْه وسلم دخل عليْها فزعا يقول: لا إله إلا الله ويْل للْعرب منْ شر قدْ اقْترب فتح الْيوْم منْ ردْم يأْجوج ومأْجوج مثْل هذه وحلق بإصْبعه الْإبْهام والتي تليها قالتْ زيْنب بنْت جحْشٍ فقلْت: يا رسول الله أنهْلك وفينا الصالحون؟ قال نعمْ إذا كثر الْخبث” (البخاري) هذا الحديث يبين مآل الأمور التي تجري اليوم على نهج الفساد والإفساد وإن كان ذلك بنية الإصلاح زعما وزورا، لقد تكلم النبي الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى عمّا يمكن أن يقع إذا كثر الخبث، وغاب المصلحون وإن حضر الصالحون، فلِتَجَنُّب الحدث لابد من حركة إصلاحية يقودها علماء ربانيون، يعيدون الأمة إلى رشدها على هدي الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة لا يعيدوها إلى خرافات بالية ولا يحملوها على طرقية منحرفة ولا يلزموها بقيم وافدة.
لقد كثر الخبث في بلاد المسلمين بما فيه الكفاية وبلغ حدا لم يعد يحتمل السكوت من كل الغيورين والمعنيين بالأمر من الذي تولوا رعاية المجتمعات الإسلامية من خلال منظومة مستوردة، وبتغافلٍ مقصودٍ عما يقع، وهو الأمر الذي لا تحمد عقباه، وأول المتضررين أولئك الذين ركنوا إلى الدنيا وأردوا أن يعيشوا زينتها، محققين مصالحهم المادية من خلال موجة الفساد الصارخ التي تضرب البلاد شرقا وغربا، برا وبحرا، جبلا وسفحا، أينما تولي وجهك فتم فساد؛ في الإدارة والتعليم والصحة والقضاء والأخلاق والعلاقات الاجتماعية..والجهود المبذولة في محاربته بلا فائدة وتثبت عدم فاعليتها يوما عن يوم. وتكون المفاجأة حين يعرف الفساد ازديادا عموديا وأفقيا والسبب يرجع في ذلك إلى الانتقائية واعتبار بعض الأمور دون بعض فسادا بل اعتبار ما ليس فسادا بفساد واعتبار ما هو صلاح فسادا، أو ربط تلك المحاولات بأجندة خفية ولذلك تُمنى بالخيبة والخسران وتكثر بذلك الخطط الاستعجالية الفاشلة.
وفي وضع كهذا لابد أن يتكلم المصلحون ويأخذ بأيدهم المسؤلون لأنهم صمام أمان من أي عقوبة عاجلة أو آجلة ولولاهم لهلك الناس من زمان، وقد قال ربنا الكريم خالق الخلق والمتصرف فيهم بمشيئته التي لا تردها التخطيطات ولا الاستشرافات: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” هود. فربنا سبحانه قال: “مصلحون” لأن صلاحهم لهم ولغيرهم ولم يقل عز وجل “صالحون” إذ صلاح الصالحين لأنفسهم فقط؛ بل إنهم في خطر لأن الفتنة إذا نزلت لا تصيب الذين ظلموا خاصة وهو ما يدل عليه الحديث بداية المقال.
إن أزمات اليوم -وما أكثرها- ما هي إلا قليل قد ابتلي به العباد جزاء مخالفاتهم الشرعية، ولو أراد الله أن يؤاخذنا بما كسبت أيدينا لأهلكنا أجمعين ومنذ حين “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ” فاطر. لولا المستغفرون الذين قال الله فيهم: “وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” الأنفال. وإلا فإن السبب قائم بأكثر من وجه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ظهر الزنا والربا في قرية إلا أحلت بنفسها غضب الله”، أليست الزنا اليوم فينا كالطاعون لم يسلم منه بدو ولا حضر إلا من رحم الله، حتى صرنا نارا على عَلَم في هذا الأمر؟ أليست الربا اليوم كلهيب النار يلتهم كل ما يجد أمامه، و كوباء يأتي على الأخضر اليابس؟ ولا زال العالم إلى هذه اللحظة يتخبط في مشاكله المالية ما أن يحمل رِجْلا حتى تغوص أخرى كمن يمشي في الوحل.
وكنتيجة لا يرها إلا القليل بأنها كذلك، ها نحن نعاني من كل الويلات؛ فقر وظلم وجهل وفحش وتخلف وكوارث وأمراض وفوارق طبقية ورشوة واستغلال للنفوذ واحتقار من لدن قوم آخرين… أفلا يستدعي الأمر وقفة مع الذات وعودة سريعة إلى رب الأرض والسموات، نعلنها توبة جماعية تعود علينا بالنفع أجمعين، لا تلكؤ ولا اتهام ولا ازدراء.
إننا بالإسلام كنا وبالإسلام سنكون، وما تغني عنا سبل عديدة جربت لسنوات مديدة فما كان منها إلا أن أهوت بنا في الدرك الأسفل من كل هوان وهاهي قوى الاستكبار اليوم -وبعد كل التنازلات التي قدمها أناس ليتقدموا فإذا بهم يتأخروا ويؤخروا- تعاملنا كدمى بلا روح وفي أحسن الأحوال كعبيد بلا كرامة؛ كرامة استبيحت على مرأى ومسمع من العالم، وذل اصطلى بناره الجميع، وإن سقط لهيبه بأرض فلسطين السليبة في العدوان الأخير فالمسلمون كالجسد الواحد وكأس الذل تجرعه الجميع طوعا أو كرها.
إن إصلاح الأمة لا يتم إلا باستئصال ورم ألم بها، والقيام بعملية جراحية تزيل الداء من أصله امتثالا لأمر الصادق المصدوق “سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” فمتى سنعود؟ ومتى ستتوفر الإرادة لهذه العودة الميمونة إلى الدين الحق؟ وليس ذاك الذي يروج له الآن؛ فذاك ورب الكعبة لن يكتب الله له القبول؛ لأنه ليس الدين الذي تكفل الله بنصره وليس الدين الذي وعد بالنصر لمن عاد إليه. وستبدي الأيام صدق المقال ونسأل الله السلامة في الحال والمآل ولا يصح إلا الصحيح.