أشار «مركز أبحاث الأمن القومي» الصهيوني إلى أن تل أبيب تبدي ارتياحاً لصعود قوى اليمين المتطرف على اعتبار أن هذا التطور قد يفضي إلى زوال الإتحاد الأوروبي، الذي تتهمه تل أبيب بتبني سياسات تتعارض مع المواقف الصهيونية.
لأول وهلة بدا الأمر مستهجناً، ولا ينسجم مع السياق العام للدعاية الصهيونية، فنخب تل أبيب ترحب بصعود قوى اليمين المتطرف في أوروبا، التي فازت في الانتخابات للبرلمان الأوروبي.
ومصدر الغرابة في هذا التطور يكمن في حقيقة أن القوى اليمينية الأوروبية تتبنى مواقف معادية لليهود. وعلى الرغم من أن أيا من المسؤولين الصهاينة لم يعبر عن رضاه علناً عن نتائج هذه الانتخابات، إلا أنه تبين أن تل أبيب ترحب بصمت بصعود قوة اليمين المتطرف في أوروبا، لأنه قد يفضي إلى تحقيق نتيجتين تمثلان انجازاً إستراتيجياً للكيان الصهيوني، وهما: وقف «أسلمة» أوروبا وزيادة الهجرة اليهودية من أوروبا إلى الكيان الصهيوني.
وينطلق الكيان الصهيوني من افتراض مفاده أن صعود اليمين المتطرف سيحول دون «أسلمة» أوروبا، على اعتبار أن أهم مواد البرنامج الذي تبنته أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا كان الموقف الصارم ضد تواصل موجات الهجرة الإسلامية إليها.
إن مما يعزز الاعتقاد في تل أبيب بأن صعود قوة اليمين المتطرف في أوروبا لا يرجع إلى تنامي مشاعر «اللاسامية» ضد اليهود بقدر ما يعبر عن رفض هجرة المسلمين إلى أوروبا، هي نتائج استطلاع شامل أجراه «معهد كونتور»، التابع لجامعة تل أبيب ونشر في 27-4-2014 وأظهر أن تراجعاً كبيراً على عدد الحوادث «اللاسامية» التي تعرض لها اليهود في أرجاء أوروبا خلال العام الماضي.
وحسب نتائج المسح، فإن تراجع مؤشرات «اللاسامية» في أوروبا قد قلصت عدد اليهود الأوروبيين الذين يهاجرون إلى الكيان الصهيوني، باستثناء فرنسا، التي كانت الاستثناء الوحيد، حيث طرأت زيادة بنسبة 50% على عدد اليهود الذين هاجروا إلى الكيان الصهيوني، حيث أنها البلد الأوروبي الذي شهد زيادة في عدد الهجمات التي تعرض لها اليهود.
ومما يطمئن النخبة الصهيونية الحاكمة من نتائج الانتخابات الأوروبية، حقيقة أن معظم الدول التي حقق فيها اليمين المتطرف نتائج كبيرة في الانتخابات الأخيرة ليست ذات سجل في مجال الأنشطة «اللاسامية» فيها. وهذا ما جعل الكثير من الأوساط الرسمية في تل أبيب ترى في الربط بين زيادة قوة اليمين المتطرف بتعاظم التوجهات «اللاسامية» في أوروبا هو ربط «سطحي».
وحسب التقديرات الصهيونية، فإن «اللاسامية الكلاسيكية» القديمة التي ترى في اليهود مجرد «طفيليين مصاصي دماء» قد بلغت أوجها مع صعود النازية في أوروبا، في أربعينات القرن الماضي وتراجعت بعد ذلك.
وتجزم هذه المحافل أن «اللاسامية» الجديدة في أوروبا تمثلها الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعاظم دورها مع زيادة موجات الهجرة من البلدان العربية والإسلامية إلى القارة العجوز.
وتبدو تل أبيب الرسمية مرتاحة لنتائج الانتخابات الأوروبية، حيث أن الرأي السائد لدى القيادة الصهيونية هو أنه عند المفاضلة بين أوروبا المتأسلمة وأوروبا اللاسامية، فإن تل أبيب تفضل بدون تردد أوروبا اللاسامية.
ويأمل الصهاينة أن يسهم صعود اليمين المتطرف كرأس الحرب في مواجهة خطر أسلمة أوروبا، وهو الخطر الذي يصل إلى مصاف المخاطر الإستراتيجية التي تفزع منها «إسرائيل».
وتصل بعض الآراء داخل الكيان إلى حد القول أنه حتى لو ارتبط تصاعد قوة اليمين في أوروبا بتعاظم مظاهر اللاسامية، فإن هذا قد يصب في صالح تل أبيب، لأنه سيدفع قطاعات كبيرة من اليهود في أوروبا للهجرة إلى الكيان الصهيوني.
ومن المفارقة أن اليمين الصهيوني، وعلى وجه الخصوص زعماء المستوطنين اليهود هم الأكثر احتفاء بنتائج الانتخابات الأوروبية، وذلك بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط قادة اليمين المتطرف في أوروبا واليمين الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص قادة المستوطنين في الضفة الغربية.
ففي تل أبيب يسجلون حقيقة أن بعض نخب اليمين الأوروبي المتطرف تتخذ موقفاً رافضاً لحملات المقاطعة الدولية على الكيان الصهيوني. لأول وهلة، بدت نتائج الانتخابات للبرلمان الأوروبي كتحدٍّ للكيان الصهيوني، حيث أنه كان يفترض بتل أبيب أن تندد بصعود اليمين المتطرف في أوروبا بسبب طابع برامجه «اللاسامية»، لكن تل أبيب كانت في نفس الوقت تشعر براحة بسبب مواقف اليمين المتطرف العدائية من المسلمين في أوروبا. لقد تغلبت إسرائيل على ترددها عبر التنديد بـ«لاسامية» اليمين المتطرف في أوروبا وفي الوقت ذاته احتفت بمواقفه العنصرية تجاه المسلمين.
كما أن اليمين في الكيان الصهيوني يرى أنه سيستفيد بشكل مباشر من فوز اليمين المتطرف في أوروبا، على اعتبار أن هذا التطور سيدفع بهجرة عدد كبير من اليهود الأوروبيين للكيان الصهيوني، وهؤلاء اليهود عادة ما يتبنون مواقف متطرفة من العرب متأثرين بفكر اليمين المتطرف في أوروبا، سيما اليهود في فرنسا.
من هنا يتوقع اليمين الصهيوني أن تسهم هجرة اليهود الأوروبيين في تعزيز قوته الانتخابية، بحيث تشكل موجات الهجرة المتوقعة احتياطياً انتخابياً وبشرياً له. إن أحد أهم مسوغات الارتياح الصهيوني لنتائج الانتخابات الأوروبية تتمثل في أنها قد تفضي إلى إنهاء أو إضعاف دور الاتحاد الأوروبي، الذي ترى تل أبيب أن وجوده لا يخدم مصالحها. فقد أشار «مركز أبحاث الأمن القومي» الصهيوني إلى أن تل أبيب تبدي ارتياحاً لصعود قوى اليمين المتطرف على اعتبار أن هذا التطور قد يفضي إلى زوال الإتحاد الأوروبي، الذي تتهمه تل أبيب بتبني سياسات تتعارض مع المواقف الصهيونية.
وفي ورقة أعدها ونشرها موقع المركز، قال عوديد عيران، السفير الصهيوني الأسبق في كل من الأردن والإتحاد الأوروبي إن هناك في تل أبيب من يرى أن صعود اليمين المتطرف قد يفضي إلى إضعاف الإطار المركزي الأوروبي الذي يتبنى مواقف نقدية للسياسات الصهيونية، سيما في كل ما يتعلق بالمستوطنات والسلوك تجاه الفلسطينيين.
ويذكر أن قوى اليمين المتطرف التي حققت نجاحات كبيرة في الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي تنادي بالتخلص من الإتحاد الأوروبي وتدعو إلى استعادة كل دولة أوروبية لخصوصياتها السيادية.
وفي سياق متصل، شنت النخب الصهيونية هجوماً عنيفاً على حلف الناتو بعد قرار تعيين رئيس وزراء النرويج السابق «يونس ستولتستنبيرج» كسكرتير عام للحلف، بسبب مواقفه «الإيجابية» من حركة حماس.
واعتبرت هذه النخب أن حزب العمال النرويجي الذي كان يقوده «ستولتستنبيرج» عمل على تعزيز شرعية حركة حماس من خلال دعوة ممثلين عنها لزيارة النرويج عام 2006، علاوة على اعتراف حكومته بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت في فبراير 2007 وضمت حركتي فتح وحماس. وتدعي هذه النخب أن نائب وزير الخارجية النرويجي «ريموند يهونسان» كان أول مسؤول أوروبي رسمي يلتقي برئيس حكومة الوحدة إسماعيل هنية بعيد تشكيلها.