قبل أكثر من خمس سنوات ونصف من اليوم وبالضبط في شهر مارس من سنة 2009 صرح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في كلمة له بمناسبة انطلاقة فعاليات «الدورة الثانية لملتقى التراث الروحي بالحوز» قائلا: «إن هذا اللقاء يجسد عودة العلماء إلى أضرحة الأولياء لتكون منطلقا للإيمان والعلم وليس للشعوذة والبدعة كما كان سائدا لدى العامة».
وهذا التصريح من الوزير اعتراف صريح منه بأن الأضرحة على ما هي عليه اليوم مرتع للشعوذة والبدعة؛ علما أنها قد فاقت هذه المرحلة بكثير، فصارت -وفق ما كشفه عدد من الدارسين والباحثين والصحفيين- فضاء للانحرافات السلوكية والزنا واللواط والتعذيب الجسدي والسجن والاستغلال المادي والطقوس الوثنية الشركية التي تسيء أيما إساءة للمغرب وتاريخه وصورته في الخارج.
ومادام السيد الوزير يطمح إلى أن تصير الزوايا منطلقا للإيمان والعلم وليس للشعوذة والبدعة؛ فنسائله -بعد مرور أكثر من خمس سنوات على خطابه- عما قدمه في هذا الإطار، وما هي الخطة التي وضعها لتفريغ الزوايا من البدع الاعتقادية والسلوكية، والشرك بالله تعالى في الدعاء والنسك والتوسل والاستغاثة ووو، وما قدمته المجالس العلمية التابعة للوزارة في هذا المجال، وإن كان كثير من أعضائها يشجب بشكل فردي الطقوس الشركية التي تقع في الأضرحة والمزارات.
ونسائله أيضا هل ما يقع داخل الزوايا والمواسم يوافق سلوك الجنيد القائل: «علمنا مضبوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به».
وهل وضع السيد الوزير في حسبانه تنزيل قول إمام المذهب؛ إمامنا مالك رحمه الله تعالى ورضي عنه؛ الذي نهى عن تشييد القبور والبناء عليها وتجصيصها، وحذر من تتبع الآثار والمشاهد؛ فقال كما ورد في المدونة 1-170: «أكره تجصيص القبر والبناء عليه، وهذه الحجارة التي يبنى عليها». وقال سحنون معلقا: «فهذه آثار في تسويتها فكيف بمن يريد أن يبني عليها».
وعلماء المذهب أيضا على هذا القول؛ فقد أكد ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة أنه: يكره البناء على القبور وتجصيصها. وقال خليل في مختصره: وتطيين قبر أو تبييضه وبناء عليه، أو تحويز وإن بوهي به حرم، وجاز للتمييز كحجر أو خشبة بلا نقش.
والنصوص والفتاوى والنوازل في هذا الباب كثيرة، منها ما نقله الونشريسي في المعيار المعرب1/414 قال: «وأفتى ابن رشد بوجوب هدم ما بني في مقابر المسلمين من السقائف والقبب والروضات، وأن لا يبقى من جدارتها إلا قدر ما يميز به الرجل قبر قريبه لئلا يأتي من يريد الدفن بذلك الموضع». وللعلامة المغربي عبد الرحمن بن محمد النتيفي رحمه الله بحث مفرد في هذا الباب طبع في كتاب بعنوان: «حكم السنة والكتاب في الزوايا والقباب».
فأصل البناء على القبر في المذهب محظور، أما التوسل بصاحب الضريح، وسؤاله الحاجات، والذبح عند عتبة قبره، وتخصيص كل ولي بوظيفة معينة، فهذا يرزق الولد والزوج، وذاك (يفك الوْحـَايل والتـّْقـَاف)، وآخر يصرع الجن، فهذا كله أنكره السادة المالكية وعدوه من الشرك الأكبر.
والزوايا تعج بهذه الانحرافات العقدية والسلوكية؛ فعن أي حصانة عقدية وحماية روحية نتحدث، والناس يلقى بهم كل يوم في أتون الشرك والبدع والخرافة والجهل المدقع؟!
وكل متابع للتحولات التي يشهدها الشأن الديني يعلم أن وزير الأوقاف يفرض سياسة الحديد والنار، وكل من يرفض الامتثال لدليل الإمام وتوجيهات الوزارة ويتعرض للحديث عن «مساوئ الوقت» فمصيره الطرد والإقصاء من مجال التأطير الديني، وفي المقابل لا نرى السيد الوزير يتعامل بنفس الطريقة والحدة مع من يعدهم واقعين في البدع والشعوذة!
فلئن كانت الدولة فيما مضى لا تأبه لتحذيرات العلماء فيما يخص انحرافات أصحاب الطرق وما يقع في الأضرحة من أعمال شركية؛ لاعتبارات سياسية محضة، ولما كانت تتمتع به الزوايا من نفوذ قبلي وامتداد اجتماعي؛ فإن الوضع اليوم قد تغير؛ فقد صارت الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والجماعات الإسلامية يؤطرون غالبية المجتمع؛ وانحصر دور الزوايا وضعف؛ وارتفعت نسبة الوعي الشرعي بدرجة مهمة وصارت طقوس أصحاب الزوايا غير مقبولة ولا مستساغة.
إنه لم يعد ينفخ في رماد الزوايا اليوم سوى المراكز الغربية التي توظف الصوفية والطرقية لمحاربة كل من يرفض الهيمنة الغربية، فهذه المراكز التي ترسم السياسة الأمريكية ما فتئت توصي بدعم الصوفية، وتباعا لذلك أوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية.
لكننا كبلد مستقل يطمح إلى النمو ويتطلع إلى أن يكون في مصاف الدول المتحضرة يستحيل أن نقبل بممارسات مهينة؛ تحط بكرامة الإنسان وتجعله يعتقد في الخرافة ويتعلق لقضاء حوائجه بموتى قضوا نحبهم قبل مئات السنين، فهؤلاء {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} كما قال الحق جل جلاله في سورة فاطر.
ثم هناك معطى لا يجب إغفاله وهو أننا إن لم نحصن المغاربة اليوم ضد الفكر الخرافي الظلامي فسيصيرون حتما طعما سهلا لحملات التشيع المدعومة بقوة دوليا وأمريكيا بالذات؛ وقد سقطت بالأمس القريب أربع عواصم عربية في يد الرافضة، وبلدنا -سلمها الله- ليست بمنأى عن هذا التهديد لذا يجب توخي الحذر من مداخل هذا الفكر المنحرف والمحاضن التي تبيئ له وسط الحياة.