في هذه الظروف العصيبة التي تتعرض فيها الأمة الإسلامية لمخططات التفتيت وتمزيق الصفوف وبث بذور التفرقة، نرى محاولات دؤوبة لرأب الصدع وتوحيد الكلمة وتنسيق الجهود، يقينا من أصحابها أن هذا العصر هو عصر الأقوياء وزمن الوحدة والإتحاد والتكتلات، ولا مكان فيه للضعفاء والمتفرقين وأصحاب التوجهات الإقليمية الضيقة.
ومع ذلك فإن أناسا ينتسبون للأمازيغ زورا وبهتانا، وهم بالمناسبة أبناء من جلدتنا ويشمئزون من التكلم بألستنا، يأبون إلا أن يجندوا أنفسهم عونا للشيطان ومن والاه بهدف التحريش والتفريق بين المسلمين، وزرع أسباب الفتنة والعداوة والبغظاء بينهم، ويريدوننا أن نرتد خطوات للوراء، حيث عبادة الأوثان، ومخالفة شريعة الرحمن، والتنكب عن سنة النبي محمد العدنان صلى الله عليه وسلم.
مكانة اللغة في الإسلام
من الواجب على كل إنسان اهتدى إلى منهج الإسلام، ولامس الإيمان شغاف قلبه، أن يسارع للالتحاق بأقرب مدرسة تعلم علوم اللغة العربية، فيبذل الجهود لتعلمها والنطق بها، لأنه يستحيل عليه أن يتدبر حلاوة القرآن ويناجي الرحمن بغير العربية، وبذلك يسلم من مأزق التشبه والاستلاب لثقافة المجتمعات غير الإسلامية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق أو للأمراء، أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه”. (كتاب اقتضاء الصراط المستقيم ص:206 تحقيق محمد حامد الفقي).
تساؤلات مشروعة حول الملف المطلبي للتيار الأمازيغي المتطرف
من هنا يحق لنا أن نطرح جملة من الاستفهامات، تفرض نفسها على كل من يشغله هَمُّ جمع شمل الأمة على الحق، والتصدي لدعاة الفرقة والاختلاف:
ما هي الأبعاد الحقيقية وراء المطالبة بدسترة الأمازيغية، وإدماجها في المؤسسات التعليمية والإعلامية المغربية؟
هل يطالب التيار الأمازيغي بتعليم المسلمين اللغة الأمازيغية بغرض الدعوة وإيصال مبادئ الإسلام لمن يتعذر عليه فهم هذه اللغة؟
أم ثمة مطالب وأهداف غير بريئة تستهدف الإجهاز على اللغة العربية ومنهج سلف الأمة، وإقامة جمهورية أمازيغية علمانية؟
ما هي الجهات الداعمة والمتحكمة في ترويج مثل هذه الطروحات وفي هذا الظرف بالذات؟
للإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة، نحيل القارئ الكريم على كلام شيخنا الفاضل محمد بن عبد الرحمن المغراوي، وهو يكشف زيف هذا التيار الهدام ويفضح خلفيته الفكرية وأهدافه الشعوبية حيث قال: “وأما المحاربون للغة العربية فهم سلالة الشعوبيين من فرس وترك وبرابرة وأشكالهم، وأمثالهم ممن يحنون للرجوع إلى أصولهم التي ينظرون إليها بعين التعظيم والتقدير، مع أن الإسلام أزالها، ولا وسيلة لهم لإحياء تلك الشعوبية والنعرات الجاهلية، إلا بهذه الدعوة الفاسدة الكاسدة، التي يعرف بطلانها وبوارها، فأصول هؤلاء الملاحدة وراءها الحقد الدفين على النبوات والرسالات..، فعلى دعاة الحق أن يتنبهوا لهذه الدعوات الفاسدة الزائغة بقايا الشعوبيين وسلالة اليهود والصهاينة الحاقدين” (كتاب دعوة سلف الأمة إحياء الكتاب والسنة ص 160).
من شطحات أحمد الدغرني
قد يزعم بعض الأمازيغيين الـ”راديكاليين” أن مثل هذا الكلام محض افتراء بلا حجة أو برهان، وفيه نوع من التجني والتسرع في إصدار أحكام جاهزة مسبقة، ولهؤلاء وغيرهم نضع نصب أعينهم عينة من شطحات رمز من رموز التطرف الأمازيغي العلماني بالمغرب، وهي كلمات تعكس مبلغ حقد صاحبها على كل ما يمت للمنهج السلفي بأدنى صلة، كما تفضح سذاجته وجهله بأبسط مبادئ الشريعة الإسلامية التي يعرفها صغار طلبة العلم الشرعي. يتعلق الأمر بالمدعو أحمد الدغرني.
(ومن رام التعرف على المزيد فلينظر جريدة النهار المغربية العدد الصادر بتاريخ: 07 شتنبر 2006).
الشطحة الأولى: أحمد الدغرني والدعوة إلى العلمانية
“ونحن في هذه الأطروحة ندعو إلى الحفاظ على أعرافنا التاريخية التي تحترم العبادات في أماكنها الخاصة بها، وتميز بين السلطة السياسية والمجال الديني وترتكز على مبادئ التسامح الديني، وحرية الاعتقاد”.
ولاشك أن القارئ اللبيب يستشف من مثل هذا الهذيان دعوة صريحة إلى فصل الدين عن الحياة، أو بتعبير أدق إنها العلمانية المشؤومة ذلك السرطان الخبيث الذي لم يزد الأمة إلا الذل والشتات والغثائية والسقوط في أغلال التبعية.
الشطحة الثانية: أحمد الدغرني وهيكلة الحقل الديني
“وفي نفس الوقت ندعو إلى تنظيم المجال الديني والسماح للطوائف الدينية بإصدار نصوص خاصة بها وجعل الرئاسات الدينية خاضعة لانتخابات داخلية كما هو الشأن في تنظيم المجال الديني عند المسيحيين بدل، الاكتفاء بسيطرة المجالس العلمية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكل ذلك في إطار الدولة الحديثة على غرار أنظمة أوربا اتجاه الديانة الكاثوليكية والبروتستانية وبقية الأديان”.
إنها دعوة لهيكلة الحقل الديني اعتمادا على انتخابات “ديموقراطية” تفرزها أصوات المغرضين والجهال عوض تزكية أهل الحل والعقد من العلماء والأمراء ووجهاء الناس.
الشطحة الثالثة: أحمد الدغرني واستئصال منهج الدراسات الإسلامية.
“على اعتبار أن الحداثة تقتضي حذف الدراسات الدينية من التعليم الرسمي أي تتوقف الدولة عن تمويل التعليم الديني، وتركه للخواص ونزعه من المدارس المغربية الحديثة، والاقتصار فيها على ما هو موروث في المدارس العتيقة والكتاتيب القرآنية وتعليم الزوايا، مع الحفاظ على نفس تراث اليهودية والمسيحية وغيرها من أديان العالم لكي لا نصبح على خلاف أجدادنا دولة التحجر الديني”.
أتدري أخي القارئ لماذا يحارب دعاة التطرف الأمازيغي العلماني منهج الدراسات الإسلامية، ويخططون لاستئصالها وخصخصتها؟! لأنهم يعلمون علم اليقين أنها الحصن المنيع الذي يستعصي أصحابه على مخططات التدجين والترويض، وبالتالي يتسنى لهم القضاء المبرم على الكتاب والسنة النبوية، مما يمهد الشروط لإقامة حكم ذاتي لأبناء مازيغ.
الشطحة الرابعة: أحمد الدغرني والتحريض على الردة والخروج عن الإسلام.
“كما أننا ندعو إلى تغيير أنظمة شهر رمضان في المدن، لتساير برامج الحداثة والحرية بحذف العقوبات الجنائية المتعلقة بإفطار رمضان، وفتح باب الاجتهاد الفقهي النير، وإيقاف نزيف الأموال المغربية نحو الشرق الأوسط في مناسبات الحج والعمرة وإعادة النظر في عيد الأضحى”.
إنه تحريض صريح على الردة والخروج من دائرة الإسلام، فإذا كان أبو بكر رضي الله عنه حارب بعض القبائل لأنها امتنعت عن أداء الزكاة، فإن دعاة التطرف الأمازيغي العلماني أحفاد مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، يعلنونها بدون استحياء أو خجل عن رغبتهم للتنصل من كل ما هو معلوم من الدين بالضرورة كالصيام والحج وعيد الأضحى تحت غطاء ما يسمى بالاجتهاد الفقهي المستنير!
وهنا يحق لنا أن نتساءل بقلب يتفطر حزنا وألما بعد سردنا لشطحات المتطرف الأمازيغي العلماني أحمد الدغرني:
– أين دور العلماء والدعاة الرسميين وغيرهم في مواجهة التيارات الأمازيغية العلمانية، وتأهيل طلبة العلم والمفكرين القادرين على درء شبهات القوم وكشف زيفهم؟
– من لتلك الصحف الأمازيغية والعربية العلمانية التي أسرفت في جرأتها، وراحت تهزأ بمقدسات الأمة بأسفِّ العبارات وأرخصها؟
– أين دور الأمازيغ الأحرار في التبرئ من المتطرفين الأمازيغيين العلمانيين، وفضح مشاريعهم الفكرية الرامية إلى تهديد أمن واستقرار البلد وتمزيق وحدته الوطنية؟
ختاما نهمس في أذان أحفاد طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، أن الدعوة الإسلامية ليست ضد الأمازيغية وإنما ضد الأمازيغية العلمانية والمقاصد الغير البريئة من توظيفها، وأن الصراع ضد اللغة العربية مفتعل وغير مبرر، ويشغل الأمة عن التفرغ للتحديات المستقبلية.
ويعلم الله الذي لا إله إلا هو، أننا نعتز في قرارة أنفسنا بالأمازيغية كلغة وثقافة وهوية وتاريخ، وأننا ما أردنا بهذه المقالة التحريض على إقصائها وتهميشها ونبذها.
نسأل الله أن يغفر لنا ولكم، وأن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعلكم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، مباركين أينما كنتم.