يتجدد النقاش عند كل محطة انتخابية حول العلاقة بين الإسلاميين عموما وحزب الأصالة والمعاصرة خصوصا، ذلك أن البام الذي يتبنى المرجعية العلمانية أعلن في أكثر من مناسبة ومحطة سياسية أن مشروعه يتعارض مع مشروع الإسلاميين، بل صرح قائده الجديد وهو متأثر بنشوة اعتلائه منصب الأمين العام، أنه جاء لمحاربة الإسلاميين، وأضاف في لقاء آخر أن الإسلاميين ليسوا مسلمين!
وأن المغرب لم يكن يوما دولة اسلامية
وإذا كان البام ينافس اليوم العدالة والتنمية سياسيا، ويحارب مشروعها المجتمعي في كل فرصة تتاح له، فإنه قبل ذلك أعلن الحرب على السلفيين؛ وصرح إلياس العماري قبل تشكل حزب الجرار في 9 من غشت 2008 بأنه حلّ في الحقل السياسي لمحاربة ما أسماه “المد الوهابي” أي السلفي.
وبعد صدور القرار الجائر بإغلاق قرابة 70 دارا للقرآن الكريم في مجموع التراب الوطني بدعوى صلتها بالدكتور المغراوي، وبما عرف آنذاك بقضية “فتوى زواج الصغيرة”، تقدمت مجموعة من الفرق النيابة في البرلمان بأسئلة شفوية حول قرار الإغلاق.
فكان أن وصف أحمد التهامي عن فريق الأصالة والمعاصرة فكر رواد دور القرآن الكريم آنذاك بـ(الفكر المتطرف والمتخلف)، واعتبر النائب البرلماني وضع دور القرآن وضعا شاذا غير مقبول لا أخلاقيا ولا قانونيا!!!
وعلقت جريدة الأحداث في عددها رقم:3553 في أكتوبر 2008م على مواقف كل من فريق الأصالة والمعاصرة وفريق الاستقلال وفريق العدالة والتنمية، بقولها: “فيما فضل الفريق الاستقلالي بمجلس النواب عدم التعبير عن موقف سياسي إزاء إغلاق مصالح وزارة الداخلية لدور القرآن؛ حرص فريق الأصالة والمعاصرة على التعبير عن موقف حداثي وحازم ومؤيد للموقف الرسمي من هذه المسألة وهو ما كاد يكلفهم هجوم فريق العدالة والتنمية الذي عبر عن موقف محافظ”.
وبعد الربيع العربي وما أعقبه من حراك وتغيرات كبرى؛ ومباشرة بعد خسارة حزب الجرار في الانتخابات التشريعية والجزئية بمراكش وطنجة أواخر 2011؛ اتهم إلياس العماري؛ خلال تدخله في الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني للحزب المنعقدة في الصخيرات؛ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أنها جندت المساجد ودور القرآن وبعض المدارس الدينية لدعم مرشحي العدالة والتنمية في الانتخابات الجزئية؛ وتساءل العماري هل أصبحت الوزارة الوصية على تدبير الشأن الديني والدفاع عن إمارة المؤمنين جزء من مخطط يستهدف المغرب؟
وأعقبه بعد فترة وجيزة برلماني من الحزب نفسه؛ خلال مناقشة قانون الميزانية وهو محمد المهدي الكنسوسي؛ اتهم فيها بشكل مباشر الدكتور محمد المغراوي؛ ووصفه بـ”الإرهابي”، وجمعيته بالحزب السري المضلل الذي اتخذ من مدينة مراكش قاعدة له، مضيفا أن هناك متطرفين دينيا لا علاقة لهم بمؤسسات المغرب ولا بمبادئ الدولة، يحرضون الناس على محاربة السياحة، ويجهرون بأنها تشجع الإباحية، ويخوفون الأجانب!
ولايزال الموقف الأيديولوجي للبام اتجاه السلفيين وغيرهم من باقي مكونات الحركة الإسلامية على حاله، ولازال مشروعه المجتمعي يؤكد على تبني العلمانية، ولا يليق بنا أن ننسى أن البام هو من استضافة المتطرف الملحد “سيد قمني” وفتح له أبواب المكتبة الوطنية بالرباط لينشر سمومه ويروج لتطرفه وإلحاده، ويطعن في الدين والعقيدة، ويسب الله تعالى والأنبياء والمرسلين، ويكذب بالقرآن الكريم.
كما أن مواقف وتصريحات الأمين العام للبام لا زالت على حالها منذ أن طفا فجأة على سطح المجال السياسي، ومما وعد به العماري قبل أيام أنه “سيراجع المناهج المدرسية ليطهرها من مظاهر الخرافة والمحافظة” ليجعلها -وفق قوله- تتوافق والحداثة التي ينشدها، وكانت آخر تصريحات الرفيق إلياس المثيرة وصفه، يوم الخميس 29 شتنبر 2016، مدينة القصر الكبير بقندهار، لأنها مدينة محافظة ينتشر فيها النقاب واللحية بشكل ملحوظ.
لكن -ورغم ذلك كله- فالبراجماتية السياسية لا تمنع حزب الجرار من محاولة استغلال الكثلة الانتخابية للسلفيين والإسلاميين، حيث عمدت منابر محسوبة على البام إلى توظيف اللحية والتقاط صور لممثلين عن حزب الأصالة والمعاصرة رفقة ملتحين ومنقبات أيضا في تجمع خطابي خلال الحملة الانتخابية بمراكش.
كما أن إلياس العماري حاول من تاسلطات بمراكش أيضا التنصل من قوله جئنا لمحاربة الإسلاميين وذلك بتأويل العبارة بأن المقصود بها هم فقط “داعش ومن يؤول نصا دينيا ويفرضه على الآخرين”!!!
ومثل هذا الاستغلال السياسوي خاصة خلال حملة الاستحقاقات التشريعية أمر جار به العمل، ولا يقتصر على السلفيين فقط بل يتعداه إلى غيرهم، وجميعنا تابعنا الترحال السياسي لبعض المحسوبين على المصباح اتجاه الجرار، وكيف وظِّف الحدث إعلاميا واستغل سياسيا.
ويبقى السؤال المطروح: هل يمكن لإسلامي يعرف مرجعية البام ومشروعه المجتمعي ومواقفه المثيرة اتجاه عدد من القضايا الحساسة التي تناقض الدين أن يصوت لهذا الحزب أو يقتنع بالكلام الحربائي لزعمائه ومناضليه؟
الجواب نعم، يمكن ذلك، لكن فقط لمن له تدين رقيق يسهل عليه التواطؤ، أو مستوى معرفي ضعيف يقوده إلى اتخاذ موقف خاطئ، أو حب جامح لشهوة معينة يبيع بها مبادئه وقيمه.
من أجل ذلك فحتى بعض اليساريين والعلمانيين الذين يصدقون في خدمة مبادئهم يرفضون المشروع المجتمعي للبام، بالرغم من تقاطعه معهم في كثير من القضايا، وذلك لأنهم يعلمون جيدا لماذا حل التراكتور في المجال السياسي، وأي أرض يراد منه حرثها، ويدركون أيضا الخطر الداهم الذي يشكله عليهم وعلى كل الفرقاء سواء في المجال السياسي أو غيره.
فهل سيكون بعض الإسلاميين أقل وفاء لمبادئهم ممن ذكرنا من اليساريين؟
هذا ما ستكشفه لنا الأيام القريبة القادمة…