دواعش اللادينية وتبرير العنف والإقصاء ضد مخالفيهم

 

 

تتبعت حسابات عدد من اللادينيين والعلمانيين والحداثيين والملاحدة والتنويريين.. حاولت أن أجد تعليقات، تدين العنف والتطرف أيا كان مصدره، تحارب التفاهة والإشاعة أيا كان هدفها، تستنكر خطاب الإقصاء والاحتكار بأي لباس تستر.

لم أجد شيئا من ذلك، بل العكس تماما، تجد أحيانا إشادة بالعنف إذا كان ضد الإسلاميين، ونشرا للإشاعة إذا كانت ضد الدين، وتشجيعا للكراهية والإقصاء إذا مورست ضد المتدين.

الحقيقة التي تتأكد لي يوما بعد يوم، أن خصوم الإسلاميين، يمارسون ماينتقدونه عليهم، ويقعون في ماينكرونه عليهم، ويرفعون شعارات جوفاء لايتمثلونها أبدا، ولا حتى نصفها أو ربعها، بل أكثر من ذلك للملاحدة واللادينيين والحداثيين والعلمانيين والتنويريين، دواعشهم المتطرفين وسفهاءهم المجانين وذبابهم الإلكتروني ومريديهم وأتباعهم ومقلديهم، الذين يمارسون الإقصاء والتهديد والترويج للإشاعات والأكاذيب ومصادرة الرأي الآخر، وممارسة كل أنواع الإرهاب ضده.

انتظرت تعليقات وتدوينات، ممن يرفعون شعارات التعددية والتعايش والإنسانية والعقل والمنهج العلمي والتحضر والاختلاف والتثبت والإنصاف…. فلم أعثر على شيء.

إنها مجرد شعارات للاستهلاك والسيطرة والهيمنة، الكل يبيح لنفسه القفز عليها من أجل مصلحة تياره وحزبه وجماعته وأيديولوجيته، الكل يستبيح الكذب والغش والتدليس لمصلحة أيديولوجيته.

ومن الأمثلة على ذلك:

  • عنف الفصائل الطلابية

عنف الفصائل الطلابية لوحده، يجعل الباحث والمتتبع لظاهرة العنف يتوقف ليعيد ترتيب أوراقه، ليكتشف أن العنف حقا عابر للأيديولوجيات والثقافات والأديان، وأن الذي يلصقه بأيديولوجيا أو دين معين، هو إنسان مؤدلج متحامل، ينبغي الحذر من انحيازه وتدليسه وكذبه، بل ينبغي الحذر من الذي يدين عنف الفصائل بانتقائية، فيدينه إذا صدر من فصيل إسلامي، ويباركه أو يتجاهله أو يبرره، إذا صدر من فصيل يساري أو أمازيغي… أو العكس.

رغم أن الفصائل الطلابية الإسلامية، أجرت مراجعات جريئة، وقطعت مع العنف منذ عقدين على الأقل، لكن عنف وإرهاب الفصائل الأخرى، لايزال مستمرا إلى يومنا هذا.

تابعنا إرهاب طلبة متأمزغين بحق د.ويحمان هددوه بالقتل، وإرهاب طلبة قاعديين بحق الريسوني، وممارستهم العنف والتهديد بالأسلحة البيضاء بحق طلبة وطالبات بتطوان قبل أيام، وقبله ماقام به طلبة قاعديون بشيماء من حلق لشعر رأسها وتعنيفها، في محاكمة طلابية، على طريقة الميليشيات وتطبيق شرع اليد، وبعده احتجاز طالبة من مدينة ميسور ومحاكمتها وتعنيفها، وقبل ذلك قتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي،
حوادث عنف وتطرف وإرهاب طلابي يساري أو أمازيغي، لاتتوقف ولاتنته، يقابلها غالب الفاعلين من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ومثقفين.. بالتجاهل أو التبرير أو المباركة. أمر غريب حقا.

كيف تريد أن تحارب ثقافة وعقلية العنف والإرهاب، وأنت توافق عليها حين تخدم أجندتك، أو حين تؤذي خصمك. أليست هذه عقلية داعشية، تتحكم بك وبانفعالاتك ومواقفك؟

الجواب المضحك الذي سيجيبني به أحدهم، هو أن العنف عند المسلم متأصل راسخ، يستمد مشروعيته من نصوص. وردي على هذا الجواب المضحك هو: ما الفرق إذا مارس شخص العنف انطلاقا من نصوص ومارسه آخر دون نصوص؟

هل سيختلف الوضع إذا قتلك شخص برر قتله لك بنص ديني، وآخر قتلك ليسرقك، وآخر قتلك لأنك خصمه السياسي؟؟

هذه النصوص الدينية موجودة منذ قرون، لماذا لم تخرج لنا متطرفين، لماذا أنا لا أريد قتلك؟

ختاما الكل يبرر عنفه وتطرفه وإرهابه بنصوص، حتى إن لم تكن مقدسة، فإنه يخلع عليها هالة التقديس. فالأدبيات الماركسية تنضح بالدعوة والتحريض على العنف الطبقي، والعنف هو أداة التحرر والخلاص للعمال والكادحين الفقراء، حتى أن لينين يقول: “مامن ثورة عظيمة واحدة حدثت في التاريخ بدون عنف”.

الطلبة القاعديون في المغرب، لايتوقف الأمر عند ممارستهم للعنف منذ السبعينات وإلى اليوم، دون أن يجروا أي مراجعة أو نقد ذاتي، بل يؤصلون للعنف في أدبياتهم وخطاباتهم، انطلاقا من مرجعيتهم وعقيدتهم التي يقدسونها.

  • ممارسة المرأة لمهنة العدول

خلف قرار السماح للمرأة بمزاولة مهنة العدول “وهي مهنة دينية”، تؤطرها القواعد والضوابط الدينية، مثل منصب الإمام والخطيب.. قلت خلف ردود فعل متباينة، وإن كان الصوت المعارض خافتا وضعيفا، ليس بسبب ضعف حججه وأدلته، بل لأن القرار ارتبط بالملك، فتصبح مجرد مناقشته أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، ويستقوي بالقرار الملكي كل من له مآرب وغايات إيديولوجية حتى إن لم يكن يؤمن بالمناصب الدينية أصلا، وعلى رأسها إمارة المؤمنين.

ومن تلك الجهات نجد “الجبهة الوطنية لمناهضة التطرف والإرهاب بالمغرب”، حيث عبرت في بيان ملئ بعبارات التحريض والكراهية والعنصرية والوشاية والإرهاب والتطرف والإقصاء والوسم، عبرت عن رفضها لأي رأي مخالف، واعتبرت تصريحات بعض المعارضين: “تصريحات إرهابية مدانة”، واعتبرت آراء كل من عبروا عن رأي مخالف من بعض الشيوخ والدعاة المختصين: “محاولة شيوخ التطرف والإرهاب احتكار الحديث باسم الدين وكأنه مقاولة خاصة”، بل ذهبت هذه الجبهة بعيدا، وهي تعتبر كل من عبر عن رأي مخالف، مستدلا بحديث أو رأي للإمام مالك في الموضوع، أنه يكفر الدولة وحاكميها، وهذا الأسلوب الذي يعتمد على التحريض والوشاية، والاستعانة بالأجهزة الأمنية، من أضعف وأحقر أساليب لإسكات الخصم حين تنعدم الحجة والبرهان، كنا نتمنى من جبهة يشرف عليها دكاترة ومثقفون، أن يتنزهوا عنها.
إن الأسلوب المرعب الذي كتب بهذا البيان، أشبه مايكون ببيانات داعش ضد خصومها، حين تتوعدهم بأشد العقوبات إن هم خالفوا رأيها الوحيد والأوحد.

ولا أعتقد أن هذه الجبهة التي تبرر التطرف والإرهاب بخطاب الكراهية هذا، وبيانات التحريض والوشاية، قادرة على المساهمة في بناء مجتمع تعددي يحترم الآراء ويناقش الأفكار، خاصة أن الذين عارضوا قرار تولي المرأة منصبا دينيا كهذا، انطلقوا من مذهب الدولة نفسها، وما يؤطره من نصوص وقواعد، مثل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها”. وقول الإمام مالك في المدونة: “ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا تعقد النكاح لابنتها”.

فهل دواعش اللادينية هؤلاء، يعتبرون قول النبي وقول مالك تطرفا وإرهابا وتكفيرا للدولة وحاكميها؟

وهل دواعش اللادينية، يمكن أن يعتبروا عدم تولي المرأة لمنصب البابا أو منصب ولي العهد أو الملك أو إمارة المؤمنين في المغرب للمرأة مثلا، تطرفا وإرهابا وتخلفا؟

وهل دواعش اللادينية ممثلين بهذه الجبهة، التي لا أراها إلا مشجعة على التطرف والإرهاب، بخطابها الموغل في الكراهية والإقصاء، عندهم القدرة على تقبل الآخر، ومحاورته ومناقشته، بعيدا عن أساليب الوشاية والتحريض؟
ختاما ماذا سيفعل دواعش اللادينية بمخالفيهم، لو تمكنوا من الاستفراد بالسلطة، أو التغلغل في مناصب القرار؟

وماذا سيفعلون بالتراث الذي لايؤمنون به؟ لا شك أننا سنرى مشاهد لتدميره، كما فعلت داعش في الموصل وتدمر.

  • المحامي الداعشي

هل يستقيم أن تكون محاميا وناشطا حقوقيا، يدعي الإيمان بالتعدد والاختلاف، ثم تتبنى طرحا إقصائيا يصادر الآراء والتوجهات المختلفة، ويمنع الناس في أن تعتقد وتعتنق ماتشاء من الآراء والمذاهب الفكرية والسياسية؟

هل يستقيم ذلك؟ نعم يستقيم، يستقيم إذا كنت داعشيا لادينيا، حينها لن تختلف عن دواعش التكفير والتفجير، في إقصائهم وتطرفهم ومصادرتهم حقوق وحريات الآخرين، سوى بحلق اللحية وإعفاء الشارب.

آخر دعشنة خرج بها علينا الحبيب حاجي الحقوقي الكبير، الذي يدافع عن حقوق الناس في الاختلاف وتكوين الجمعيات والأحزاب، والتعبير عن قناعاتهم بكل حرية، واعتناق ما شاؤوا من المذاهب والمعتقدات، هي دعوته لتصنيف حزب العدالة والتنمية كمنظمة إرهابية.

نعم ناشط حقوقي داعشي، يتهم عشرات آلاف الشباب المغاربة، بالإرهاب، فقط لأنهم اختاروا النضال من داخل حزب سياسي لايعجب الناشط الحقوقي الداعشي.

ناشط حقوقي ينتظر بفارغ الصبر، أن تتم مطاردة هؤلاء الشباب والرمي بهم في السجون، بتهمة الانتماء لحزب سياسي، قانوني علني مرخص، يقود الحكومة يشارك في الأنشطة المختلفة يؤطر المواطنين…

أن تختلف مع الحزب وتنافسه وتعارضه وتحاسبه وتقيم عمله وحتى تكرهه شيء، لكن أن تترك تقييم إنجازاته سلبا أو إيجابا، وتترك مناقشة برامجه وخطاباته، وتفشل في منازلته انتخابيا، وتلجأ لهذا الأسلوب الداعشي، فلن تكون إلا داعشيا، أو مريضا نفسيا، حتى لو تسترت بأنشطتك الحقوقية وشعاراتك الكونية، ولن تعبر إلا على إفلاس حقيقي يبين إلى أي هوة سحيقة وصل بعض تجار النضال، حين يستعينون على خصومهم السياسيين والإيديولوجيين، بهراوة السلطة، والاجتهاد في جعل المجتمع نسخا متطابقة لأهوائهم وميولاتهم واختياراتهم، ومن خالفهم يصمونه ويسمونه ويحاصرونه ويطاردونه ويصادرونه ويسجنونه، أليست هذه هي الدعشنة في أسوء تجلياتها؟

  • فوضى التراويح

“عزيزي المصلي.. لست مضطرا إلى إزعاج الناس وعرقلة طريقهم حتى يرضى عنك ربك، والأهم من هذا كله، أن تفهم أنك لست أفضل من ذلك الذي يصلي في منزله، أو حتى من ذلك الذي لا يصلي أصلا”.

هذا ماكتبته الصحافية نورا الفواري، وأنا لحد الساعة، لا أجد الجنس الصحافي الذي يمكنني أن أصنف فيه هذا الكلام، المهتز والمهترئ حتى لغويا، لا أفهم علاقة مهنة الصحافة، بالإملاء على الناس مايفعلون ومالايفعلون.

قد يقول قائل أنها تمارس دورها في التثقيف ورفع الوعي واحترام القانون، لكنني أرد بأنها ليست أهلا لذلك، وأنها لاتفعل نفس الشيء حين تعرقل المهرجانات والمسيرات، الأزقة والطرقات، وأنها تخرق قوانين عدة بنشرها لكثير من الصور المخالفة للقوانين. فلامعنى إذن لهذه الانتقائية، خاصة في تقليد وطقس وشعيرة، مغربي أصيل، درج عليه المغاربة وتعارفوا وتواطأوا عليه، شهرا في السنة.

صراحة ماكتبته نورا الفواري، جزء منه يدخل في مجال الفتوى، التي تبيح وتجيز وتمنع وتحرم، على جموع الناس في دولة دينية،
وجزء آخر منه، يدخل في مجال التعليمات الأمنية والأوامر العسكرية، في دولة شمولية بوليسية أو عسكرية شيوعية ستالينية لينينية أو هتليرية.

فكأنها تقول لنا: صلوا في منازلكم هو أتقى وأنفع لكم (فتوى)
أو صلوا في منازلكم وإلا لن تلوموا إلا أنفسكم (أمر وتهديد)
الغريب في دواعش الإلحاد واللادينية، أنهم لايكتفون بممارسة قناعاتهم بينهم وبين أنفسهم، ولا حتى بإعلانها كنوع من التفاخر والتباهي، انسياقا وراء الإيگو اللعين، هؤلاء يتجاوزون ذلك كله، إلى فرض قناعاتهم التي استفاقوا ذات صباح وقرروا اعتناقها، على مجتمع بكامله، بل هناك من اتهم كل من انتقد الصحافية المذكورة، مجرد انتقاد، بأنه داعشي.
هناك لادينيون وملاحدة، يمارسون قناعاتهم دون أن يعترضهم أحد، لكن هناك دواعش اللادينية الذين يريدون جعل مجتمع بكامله ينصاع لرغباتهم ونزواتهم، يريدون فرض قناعاتهم وإرغام المجتمع على ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *